وقال خريم بن فاتك الأسدي: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (من أنفق نفقة في سبيل الله كتبت له بسبعمائة ضعف).
تصور لو أنك وضعت جنيهاً واحداً، وهذا على الأقل أن تجاهد بمالك فإذا عجزت عن الجهاد بالنفس فلا أقل أن تجاهد بمالك وإن قل، فلا تحقرن من المعروف شيئاً فإنك ستحتاج في يوم من الأيام إلى أن تكون قد تصدقت ولو بشق تمرة تكون حجاباً وساتراً بينك وبين النار، فما بالك لو أنك تصدقت بفضل مالك لإخوانك المجاهدين هنا وهناك؟ إنسان يتصدق بجنيه يجده سبعمائة حسنة في عشرة في سبعمائة، والله تعالى يضاعف بعد ذلك لمن يشاء!! وقال أبو مسعود البدري: (أتى رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله! إنه قد أبدع بي -أي: انقطع بي السبيل- فاحملني يا رسول الله! قال: اذهب إلى فلان فأقرئه مني السلام وقل له: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لك: احملني.
فذهب الرجل إلى ذلك المبعوث فحمله، فقال النبي عليه الصلاة والسلام: من دل على خير فله مثل أجر عامله) والحديث عند مسلم.
وعن ابن مسعود: (جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم بناقة مخطومة فقال: يا رسول الله! هذه في سبيل الله، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: لك بها يوم القيامة سبعمائة ناقة).
إذاً: ما أنفقت من نفقة أجرت بمثلها سبعمائة ضعف، فلا تستقل!! وعن صفوان بن يعلى بن أمية عن أبيه قال: (غزوت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم غزوة حملت فيها على بكر -أي: على جمل صغير- كان أوثق عملي في نفسي) أي: أوثق الأعمال وأحبها إلى نفسي هو غزوي مع الرسول عليه الصلاة والسلام على قدر استطاعتي.
وعن أبي هريرة قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (ثلاثة حق على الله عونهم) والذي فرض هذا الحق هو الله عز وجل.
قال: (المجاهد في سبيل الله) أولهم: المجاهد في سبيل الله بإخلاص؛ ولذلك قيدت النصوص كلها الجهاد بأنه في سبيل الله، أما إذا كانت في سبيل الشيطان أو رياء أو سمعة فإنه لا إعانة له.
ثلاثة حق الله عونهم: (المجاهد) وشرطه: في سبيل الله، و (الناكح) شرطه: يريد العفاف، أما الناكح الذي يريد أن يتسلى بأعراض الناس فهذا لا يعينه الله عز وجل وإنما يفضحه على رءوس الناس؛ لأنه ما ابتغى بهذا العمل وجه الله، ولا حتى ابتغى أن يعف نفسه ولا أن يعف المرأة، وإنما أراد بذلك أن يتلذذ بأعراض الناس، فإذا فرغ من هذه انتقل إلى تلك، وإذا فرغ من تلك انتقل إلى هذه، فهو يجمع امرأة واثنتين وثلاث وأربع ثم يطلق الرابعة ليستبدل مكانها، ثم يطلق هذه المستبدلة ليستبدل بها وغير ذلك، فهذا لا يريد العفاف وإن أراد العفاف أعفه الله وستره، ومن لا يرد العفاف فإن الله تعالى لا يعينه.
وكذلك (المكاتب) وشرط: يريد الأداء.
وهو العبد الذي يكاتب سيده على أن يحصل على العتق من الرق في مقابل مبلغ من المال، فإذا كان هذا المكاتب يريد أداء ما كتب عليه فإن الله تعالى يؤديه عنه، كما قال النبي عليه الصلاة والسلام: (من أخذ أموال الناس يريد أداءها أدى الله عنه، ومن أخذ أموال الناس يريد إتلافها أتلفه الله) أتلفه هو.
ولم يقل: أتلف الله ماله، وإنما قال: (أتلفه الله).
وعن أبي سعيد الخدري: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في غزوة بني لحيان: (من رجل يخلف صاحبه؟) في غزوة بني لحيان نادى على بني لحيان وقال لهم: سيخرج نصفكم إلى الجهاد والنصف الآخر لا يخرج، مهمتهم أن يخلفوا المجاهدين بخير في أهليهم وأموالهم وذويهم وأطفالهم.
فقال: (من رجل يخلف صاحبه؟ -من الذي يقوم في أسرة المجاهد خليفة- للقاعد منهما الذي يخلف الغازي في أهله وماله مثل نصف أجره) أي: لو أن مجاهداً قمت أنت خليفة في أهله وماله وولده وعمله وأغنيت المجتمع بما كان يقوم به ذلك المجاهد قبل أن يذهب إلى الجهاد فلك مثل نصف أجر ذلك المجاهد تماماً بتمام وسواء بسواء.
وعن أبي سعيد بلفظ آخر: (أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث إلى بني لحيان: ليخرج من كل رجلين رجل، ثم قال للقاعد: أيكم خلف الخارج في أهله بخير) وهذا شرط: بخير لا بغش وخداع وتخبيب للمرأة وإفساد لها على زوجها وغير ذلك.
قال: (كان له مثل نصف أجر الخارج).
وعن أبي الزبير عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ما من صاحب إبل ولا غنم لا يؤدي حقها إلا أقعد لها يوم القيامة بقاع قرقر) أي: بقاع أملس، كالرخام.
تصور أن عندك أغناماً وأبقاراً ومواشي وإبلاً وغير ذلك، ولا تؤدي زكاتها، فتأتي هذه الأنعام يوم القيامة فتُطرح لها على أرض ملساء كالصفا، ثم تظل هذه الأنعام تطؤك بأظلافها وأظافرها وأرجلها، كلما فرغت أعادت الدورة من جديد.
قال: (ما م