ويستدل أهل السنة والجماعة على تفويض الكيف بأدلة من المنقول والمعقول، وكذلك من الفطرة، ومن أدلتهم: أن لفظ التكييف لم يرد في الكتاب والسنة، ولكن أتى ما يدل عليه نقلاً، وثبت عقلاً وفطرة، ومما يدل على تفويض الكيف وعدم الخوض فيه من كتاب الله عز وجل، قوله سبحانه وتعالى: {قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ} [الأعراف:33].
فالشاهد في هذه الآية قوله تعالى: ((وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ))، فمن قال: إن الله تعالى ينزل كنزول هذا خطوة خطوة، من درج، أو من منبر أو غير ذلك، فإنه قد قال على الله تعالى بغير علم؛ لأنك لو سألته: هل أخبرك الله تعالى بأنه ينزل كنزولك هذا؟ لكان
صلى الله عليه وسلم لا، ولو قال: نعم، فلن يجد على قوله دليلاً لا في الكتاب ولا في السنة.
فالذي يصف مجيء الله تعالى ونزوله إلى السماء الدنيا في الثلث الأخير من الليل بصفة أو هيئة أو كيفية معينة فقد قال على الله تعالى ما لا علم له به، وأعظم على الله تعالى الفرية، ولذلك قال الإمام أبو شامة عليه رحمة الله -وهو من أجل علماء السنة-: من وصف الله تعالى بصفة من صفاته التي يجب فيها التفويض إليه سبحانه وتعالى ينبغي أن ينكل بمثل ما أتى، فمن قال: إن لله تعالى عيناً كعيني هذه، أو قال: إن له يداً كيدي هذه، أو قال: إن له رجلاً كرجلي هذه -هذا كلام أبي شامة رحمه الله- فنقول: تفقأ عينه، وتقطع يده ورجله؛ لأنه شبه الخالق بالمخلوق، ومثل الخالق بالمخلوق، وكيف الخالق بتكييفات المخلوق.
سبحانه وتعالى عن ذلك علواً كبيراً.
فإذا جاء رجل وقال: إن الله استوى على العرش على هذه الكيفية، ووصف كيفية معينة كأن يجلس على كرسي ويقول: إن الله تعالى جلس على الكرسي فوق السماء السابعة كجلوسي هذا قلنا له: إن هذا تقول على الله ليس لك به علم، وهل أخبرك الله بأنه استوى على هذه الكيفية؟ فسيكون جوابه: لا؛ لأنه لو قال: نعم لقلنا له: أين الدليل؟ فالله تعالى لم يخبرنا كيف استوى، ونقول: هذا تكييف وقول على الله بغير علم، ولهذا قال بعض السلف: إذا قال لك الجهمي -والجهمي هو من يعطل الصفات-: إن الله ينزل إلى السماء، فكيف ينزل؟ فقل له: إن الله تعالى أخبرنا بأنه ينزل، ولم يخبرنا بكيفية النزول، وشعارنا أن نقول: سمعنا وأطعنا، وصدقنا وآمنا، فكل ما أخبرنا الله تعالى به وطلبه منا فعلينا أن نؤمن به، علمنا منه الحكمة أو لم نعلم ذلك، فإذا كان الله تعالى قد استأثر بعلم الكيفية وحده فلا يجوز لنا أن نخوض في بيانها ومعرفتها، بل نقول: إن الله استوى استواء يليق بجلاله، لا يشابه استواؤه استواء المخلوقين؛ لأنه لما كان الله تعالى مبايناً ومغايراً لخلقه في الذات فلابد أن يكون مبايناً ومغايراً لهم في الصفات، والاستواء صفة، فدل ذلك على أن استواء المخلوق غير استواء الخالق سبحانه وتعالى.
ودليل آخر من المنقول وهو قول الله تعالى: {وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ} [الإسراء:36]، أي: لا تتبع نفسك ما ليس لك به علم، {إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُوْلَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا} [الإسراء:36].
الشاهد هنا: أنك لا تتبع ما ليس لك به علم؛ لأنك مسئول عن سمعك وقلبك وفؤادك.