والفرق بين التحريف والتعطيل أن التحريف في الدليل، والتعطيل يكون في المدلول والمعنى الذي يدل عليه الدليل.
مثل قوله تعالى: {بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ} [المائدة:64]، فالضمير عائد على الله عز وجل، فلو قلنا: أي: قوتاه، لكنا بذلك قد حرفنا في الدليل؛ لأن الله تعالى أثبت لنفسه اليد، وأثبت لنفسه القوة، وأثبت لنفسه القدرة، وأثبت لنفسه أنه المتين، فلو قلنا: إن اليد تعني القوة لكنا محرفين للدليل وصارفين له عن مراد الله عز وجل وعن ظاهره، وكذلك نكون معطلين للمراد الصحيح؛ لأن المراد هو إثبات اليد الحقيقية لله عز وجل، وعدم تشبيهها بأيدي المخلوقين، فنقول: إن لله تعالى يداً ليست كيد المخلوق، فنثبت اليد لله تعالى على الحقيقة؛ لأن الله تعالى أثبتها لنفسه.
ولو قلنا: إن اليدين المعني بهما القوة لكنا قد عطلنا المعنى المراد وأثبتنا معنى غير مراد، وكذلك لو قلنا في قوله تعالى: {بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ} [المائدة:64] لا ندري ما معنى اليدين، ولكنا نفوض هذا الأمر إلى الله عز وجل فإنه يدري معنى ذلك؛ لكنا قد وقعنا في التعطيل، ومعلوم أن الله تعالى إنما خاطبنا بكلام نعرف معناه ولا نجهله، فلو قلنا: إننا نجهل معناه لتنافى هذا مع البيان الذي أمر الله عز وجل به نبيه صلى الله عليه وسلم، وقد قال الله تعالى: {وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ} [النحل:89].
والتعطيل شر من التحريف.