الخطأ في الفهم أخطر من الخطأ في اللفظ

وخطأ الفهم أخطر بكثير جداً من الخطأ في اللفظ، ومن ذلك ما تصحف على يحيى بن معين في العوام بن مراجم القيسي الراوي عن أبي عثمان النهدي والذي روى عنه شعبة، فقال: يحيى بن معين: العوام بن مزاحم، بدلاً من أن يقول: العوام بن مراجم.

وهذا تصحيف لغوي؛ لأنه غير في النص وفي الضبط، وأما شكل الكلمة فواحد، فهذا يقال له: تصحيف، ولا يقال له: تحريف؛ لأن التحريف في مصطلح الحافظ ابن حجر يلزم منه تغيير شكل الكلمة.

ومنه حديث روي عن معاوية قال: (لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم الذين يشققون الخطب تشقيق الشعر)، فصحفه وكيع فقال: الحطب، فقال: لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم الذين يشققون الحطب تشقيق الشعر.

وكان هناك بعض الملاحين فلما سمع ذلك قال: يا قوم! فكيف نعمل والحاجة ماسة؟ ومنه أيضاً ما ذكره بعض المؤلفين من تصحف خالد بن علقمة على بعض أهل العلم فقال: مالك بن عَرْفَصَة أو عُرْفُصة، وهذا تحريف؛ لأن شكل الكلمة نفسه تغير، وهذا يسمى عندهم تصحيف السماع أو تحريف السماع.

ومن أمثلة تصحيف السماع تصحف عاصم الأحول على بعضهم فقال: عن واصل الأحدب، وهذا تحريف في السماع.

قال ابن الصلاح: وقد ذكر الدارقطني أنه من تصحيف السمع لا من تصحيف البصر؛ لأن تصحيف البصر يلزم منه أن ترى الاسم مكتوباً في الورق، وليس هكذا.

ومنه أيضاً: أن ابن لهيعة روى عن زيد بن ثابت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم احتجم في المسجد، والصواب: احتجر بالراء وليس بالميم، ومعنى احتجر أي: اتخذ له حجرة في المسجد من حصير، والحديث عند البخاري ومسلم.

ومنه أيضاً: حديث: (أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى إلى عنزة)، وهي اسم قرية في بلاد نجد، واسم القرية عنزة بتسكين النون، ويطلق على فصيلة الشياه من المعز.

وقوله صلى الله عليه وسلم إلى عنزة بفتح العين والنون والزاي، والعنزة: هي عصا كمؤخرة الرحل، كان النبي صلى الله عليه وسلم يغرزها أمامه فيتخذها سترة له إذا صلى في فضاء.

ولما سمع بعض المحدثين من قرية عنزة من بلاد نجد هذا الحديث قال: الحمد لله نحن قوم لنا شرف، فقيل له: وما شرفكم؟ قال: وأي شرف بعد أن صلى النبي صلى الله عليه وسلم إلينا؟ أي: صلى إلى بلادنا، فتصحف عليه عَنَزة إلى عَنْزة وتصورها بلاده، فاشتبه عليه، وهو الحافظ أبو موسى محمد بن المثنى العنزي من قبيلة عنزة.

وكان أبو طاهر بن لوقا يحدث يوماً أو يقرأ على الإمام الطبراني أبي القاسم ذات يوم حديث: (كان صلى الله عليه وسلم يغسل حصى جماره)، وهو حديث ليس بثابت ولا أصل له، ولكنه موجود في الكتب، فتصحف على الحافظ أبي طاهر بن لوقا وهو يحدث الإمام الطبراني فقال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يغسل خطى حماره، فانتبه إلى ذلك الإمام الطبراني وأدرك هذا التصحيف، فقال: وما أراد بذلك يا أبا طاهر؟! أي: لماذا كان يعمل النبي صلى الله عليه وسلم هذا؟ قال: التواضع يا أبا القاسم! يعني: تكلف له تأويلاً، فتبسم الطبراني وقال: أنت ولدي يا أبا طاهر! قال: وأنت كذلك يا أبا القاسم! وعن رجل أنه حدث عن النبي عليه الصلاة والسلام فقال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: قال جبريل عن الله عن رجل، وكان حاضراً بعض المحدثين فاستنكر الأمر جداً، قال: فنظرت من ذا الذي يستحق أن يكون شيخاً لله! وإذا بها عن الله عز وجل، فتصحف عليه (عز وجل) إلى (عن رجل)، فقال: عن الله عن رجل، تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015