وأما أهل السنة والجماعة فقالوا: نأخذ بالحق الذي مع الجانبين، أي: جانب أهل التعطيل وجانب أهل التمثيل والتشبيه، فنأخذ بالحق في باب التنزيه فلا نمثل، ونأخذ بالحق في جانب الإثبات فلا نعطل، بل إثبات بلا تمثيل وتنزيه بلا تعطيل.
فكان أهل السنة والجماعة وسط في باب الصفات بين طائفتين متطرفتين، طائفة غلت في التنزيه والنفي، وهم أهل التعطيل من الجهمية وغيرهم، وطائفة غلت في الإثبات، وهم الممثلة.
وأهل السنة والجماعة تمسكوا بالنصوص التي أثبتت ونفت، كقول الله عز وجل: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} [الشورى:11].
وهذا نفي للتشبيه، وبقوله تعالى: ((لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ))، على أن الله تعالى لا يشابه أحداً من خلقه، و (شيء) هنا نكرة تفيد العموم، أي: ليس شيء من خلقه يشبهه في صفاته ولا في ذاته، فكما أن المخلوق يختلف عن الخالق في الذات فلابد وأن يختلف لزاماً في الصفات والأسماء كذلك.
ثم قال تعالى: ((وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ)).
وهذا فيه إثبات الصفات والأسماء لله عز وجل.
وخلاصة القول: إن أهل السنة والجماعة وسط بين هاتين الطائفتين، بين المعطلة وبين الممثلة والمشبهة، فلا يثبتون إثبات المشبهة، ولا ينفون نفي أهل التعطيل.
والذي يطالع كتب القوم -أي: أهل الكلام والفلاسفة والذين تكلموا في العقائد- الذين اعتنوا بأقوال الناس في هذا الأمر يرى العجب العجاب.
فهم يقولون في كتبهم: كيف يتفوه عاقل بإثبات صفات وأسماء الله عز وجل؟ ومن قرأ كتبهم فإنه يتعجب غاية العجب من نفيهم عن الله عز وجل ما أثبته لنفسه، ومن قولهم: إنما نثبت لله ما أثبته العقل وإن كان منفياً في الكتاب، وننفي عن الله تعالى ما ينفيه العقل وإن كان مثبتاً في الكتاب.
فجعلوا العقل هو الميزان الأكبر الذي يوزن به أسماء الله تعالى وصفاته.
والحقيقة أن الميزان الأكبر هو الكتاب والسنة، ولهذا ينبغي دائماً أن نسأل الله عز وجل الثبات على منهج أهل السنة والجماعة، وكثيراً ما كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (اللهم يا مقلب القلوب! ثبت قلبي على دينك).
وكان يقول: (اللهم يا مصرف القلوب! صرف قلبي إلى طاعتك).
فينبغي على الإنسان الثبات على منهج أهل السنة والجماعة في كل أبواب العلم، وخاصة ما يتعلق بذات الإله سبحانه وتعالى، في أسمائه وصفاته وفي توحيد الربوبية والألوهية كذلك.
ومن تمام مقتضى حكمة الله عز وجل أنه يقيض لهذا الدين من يذب عنه تحريف الغالين وانتحال المبطلين وتأويل الجاهلين، فالله عز وجل هو الذي تكفل بحفظ هذا الدين وبإظهاره على الأديان والشرائع كلها، قال الله تعالى: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} [الحجر:9].
فالله عز وجل هو الذي حفظ هذا الدين، فإذا تخلى رجل أو جماعة أو طائفة أو فرقة من أبناء هذه الملة عن طريق النبي صلى الله عليه وسلم وعن طريق الكتاب العزيز، فإن الله تعالى يقيض له من يرده إلى الصواب، أو من يظهر الصواب والحق لبقية الأمة.