قال: (واعلم أن مذهب أهل الحق أنه لا يكفر أحد من أهل القبلة بذنب).
وقد أطلق المسألة هنا؛ لأن الذنوب منها ما يكفر به صحابه، فلو سب رجل مسلم الله عز وجل، أو استهزأ بالرسول فإنه يكفر بهذا.
فينبغي تقييد هذا الذنب، فنقول: أهل الحق وأهل السنة لا يكفرون أحداً من أهل القبلة بذنب إلا ذنباً يخرج من الملة.
قال: (ولا يكفر أهل الأهواء والبدع -أي: أهل السنة لا يكفرون أهل الأهواء والبدع إلا ببدعة يكفرون بها- وأن من جحد ما يعلم من دين الإسلام بالضرورة حكم بردته وكفره، إلا أن يكون قريب عهد بالإسلام أو نشأ ببادية بعيدة ونحوه ممن يخفى عليه فيعرف ذلك).
يعني: لو جاء أعرابي من البادية لا يعرف أي شيء عن فرائض الإسلام، حتى الصلاة فيعرف بذلك، وهذه المسألة ليست بعيدة، وهناك أناس في جنوب أفريقيا إلى الآن لا يعرفون أن النبي صلى الله عليه وسلم أرسل ولا أن اسمه محمد، وقد حدثني أحدهم في مكة العام الماضي أنه مصري، ولقي رجلاً من مصر دعاه إلى التوحيد وإلى الإيمان وإلى الإسلام، قال: وهذه أول مرة أسمع أن هناك نبياً أو رسولاً اسمه محمد، فإذا أسلم هذا الرجل فلا شك أنه لا يعرف في أول الأمر أركان الإيمان والإسلام، وشرائع الإيمان والإسلام، فمثل هذا الرجل لابد وأن يعلم أولاً، ولا يبادر بتكفيره، ولا بتفسيقه، فإن تعلم ما هو معلوم من الدين بالضرورة، ثم أنكر بعد قيام الحجة الرسالية عليه فإنه يكون مرتداً كافراً خارجاً عن ملة الإسلام.
قال: (فإن استمر حكم بكفره، وكذا حكم من استحل الزنا)؛ لأنه لا يخفى على مسلم أن الزنا حرام، وهذا معلوم من دين الله بالضرورة، فمن استحل ما حرم الله فهو كافر بعد أن يعلم، ومن حرم ما أحل الله فهو أيضاً كافر إذا كان هذا أمراً معلوماً بالضرورة، فالذي يحرم ما أحل الله، أو يحرم ما أحل الله خارج عن دائرة الإسلام إذا كان أمراً معلوماً بيناً عنده.
قال: (فهذه جمل من المسائل المتعلقة بالإيمان قدمتها في صدر الكتاب تمهيداً لكونها مما يكثر الاحتياج إليه، ولكثرة تكرارها وتردادها في الأحاديث، فقدمتها لأحيل عليها إذا مررت بما يخرج عليها.
والله أعلم بالصواب).
فأهل السنة لا يكفرون أحداً من أهل القبلة بذنب إلا ذنباً يكفر به، معنى ذلك: فالزاني لا يكفر عندهم، ولا يلزم من حديث: (لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن)، أن يكون كافراً، بل إنه يكون في لحظة هذا الفعل وارتكاب هذا الإثم على إسلامه وعلى أصل التصديق، وينفى عنه زيادة الإيمان وكماله وتمامه.
فأهل السنة لا يكفرون أحداً بذنب من أهل القبلة، وإنما يثبتون له الإسلام وأصل الإيمان، ولا يكفرون إلا من استحل ما حرم الله، أو حرم ما أحل الله بعد قيام الحجة عليه.