مذاهب العلماء في معنى الإسلام والإيمان

وسنبحث هنا في معنى الإسلام والإيمان؛ لأنهما اشتملا على مباحث كثيرة، وهذه المباحث هي: أولاً: بيان ماهية الإيمان والإسلام.

ثانياً: الفرق بين مطلق الإسلام ومطلق الإيمان.

ثالثاً: هل الإيمان يزيد وينقص أم لا؟ رابعاً: هل الأعمال داخلة في مسمى الإيمان أم لا؟ خامساً: بم يدخل الكافر في الإسلام؟ سادساً: الاستثناء في الإيمان وكذا في الكفر.

سابعاً: حكم مرتكب الكبيرة، وهل هو من أهل القبلة أم لا؟ وهذه المباحث السبعة ذكرها الإمام النووي في شرحه لمقدمة هذا الحديث عند ذكر الإسلام والإيمان، ولكنه داخل بين كل مبحث من هذه المباحث مع بقية المباحث، ونحن نلتزم ترتيبه، ونبين كلامه ونشرحه، وعلى الله التكلان.

يقول الإمام النووي عليه رحمة الله: (أهم ما يذكر في الباب اختلاف العلماء في الإيمان والإسلام وعمومهما وخصوصهما -أي: عموم الإيمان والإسلام وخصوص الإيمان والإسلام- وأن الإيمان يزيد وينقص أم لا؟ وأن الأعمال من الإيمان أم لا؟ وقد أكثر العلماء رحمهم الله تعالى من المتقدمين والمتأخرين القول في كل ما ذكرناه).

ثم يقول: (وأنا أقتصر على نقل أطراف من متفرقات كلامهم يحصل منها مقصود ما ذكرته مع زيادات كثيرة).

هنا يذكر الإمام النووي كلام الأئمة الذين تقدموا عليه وسبقوه، وعادة النووي في شرحه للصحيح أنه يعتمد النقل عن غيره، وقلما يتكلم من عند نفسه.

قال: (قال الإمام أبو سليمان -وهو الإمام الخطابي أبو سليمان أحمد بن محمد بن إبراهيم الخطابي البستي الفقيه الأديب الشافعي المحقق رحمه الله تعالى- في كتابه معالم السنن: ما أكثر ما يغلط الناس في هذه المسألة -أي: مسألة الإيمان والإسلام- فأما الزهري فقال: الإسلام الكلمة، والإيمان العمل] والزهري من فحول كبار أهل السنة والجماعة وفحولهم، ولم يخالف أهل السنة ولو في خردلة، إلا هذا القول فيه مخالفة لأهل السنة، ولم يثبت عن الزهري قط، بل له كلام في الإيمان والإسلام والإحسان يخالف ما نقله النووي عن الخطابي أنه قال: الإسلام الكلمة، والإيمان العمل.

وقوله: الإسلام الكلمة، أي: أن تقول: أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله.

والإيمان العمل، أي: أن الأعمال هي حقيقة الإيمان، وليس الأمر كذلك، وهذا لم يثبت عن الزهري؛ لأنه قد ثبت عنه خلافه، وهذا النقل إما أن فيه تصحيفاً وتحريفاً عليه ويكون المعنى: قال الزهري: الإسلام: الكلمة والإيمان والعمل، وحذف الواو هنا أدى إلى هذا المعنى المختلف، فقد فرق بين الإسلام والإيمان، فأصبح النقل: الإسلام: الكلمة، والإيمان: العمل، ولكن النقل الصحيح الذي يوافق ما ثبت عنه في مناسبات أخرى وفي كتب أخرى: أن الإسلام هو كالإيمان من حيث الكلمة ومن حيث العمل.

قال: (وذهب غيره -أي: غير الزهري - إلى أن الإسلام والإيمان شيء واحد).

وهذا الغير قد يقصد به أهل السنة، فأهل السنة عندهم أن الإسلام والإيمان شيء واحد عند الإفراد والتفرق لا عند الاقتران، وأما عند الاقتران فلكل منهما معنى ومسمى مغاير لمعنى الآخر ومسماه.

ثم قال: (واحتج بقوله تعالى: {فَأَخْرَجْنَا مَنْ كَانَ فِيهَا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ * فَمَا وَجَدْنَا فِيهَا غَيْرَ بَيْتٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ} [الذاريات:35 - 36].

قال الخطابي -أي: بعد نقله لكلام الزهري -: وقد تكلم في هذا الباب رجلان من كبراء أهل العلم، وصار كل واحد منهما إلى قول من هذين -أي: إلى قول من هذين القولين السابقين- ورد الآخر منهما على الأول، وصنف عليه كتاباً يبلغ عدد أوراقه المئين -يعني: عدة مئات-.

قال الخطابي: والصحيح من ذلك أن يقيد الكلام في هذا)، يعني: إذا أردنا أن نعرف ماهية الإسلام والإيمان واختصاص كل واحد منهما بأمر لا يندرج تحت المسمى الآخر فينبغي أن يقيد الكلام، ولا يطلق في تحديد ماهية الإسلام وماهية الإيمان.

قال: (وذلك أن المسلم قد يكون مؤمناً في بعض الأحوال، ولا يكون مؤمناً في بعضها)، يعني: أن المسلم إذا حافظ على طاعة الله عز وجل، ولم يرتكب كبيرة ولم يصر على صغيرة فلا شك أنه في هذه الحالة مسلم ومؤمن، وإذا ارتكب كبيرة أو أصر على صغيرة فإنه يبقى على إسلامه وينتفي عنه الإيمان، أو يقال: إنه مؤمن عاص، أو مؤمن فاسق، ولا غضاضة في الجمع بين الاثنين، أي: في الجمع بين الإيمان والفسق.

قال: (والمؤمن مسلم في جميع الأحوال -حتى وإن ارتكب المعاصي- فكل مؤمن مسلم، وليس كل مسلم مؤمناً)، يعني: بينهما عموم وخصوص، فكل مؤمن يلزم منه أن يكون مسلماً، ولا يلزم من كونه مسلماً أن يكون مؤمناً، أي: لا يلزم من ثبوت الإسلام للمرء ثبوت الإيمان له؛ لأن الإيمان درجة أعلى، فإذا ثبت له الأدنى لم يلزم من ذلك ثبوت الأعلى، وإذا ث

طور بواسطة نورين ميديا © 2015