والثمرة المرجوة والمسلك العملي الذي يعود على من آمن بقدر الله: الإلحاح في دعاء لله عز وجل بأن يهدينا إلى صراطه المستقيم، وأن يحبب إلينا الإيمان ويزينه في قلوبنا، ويكره إلينا الكفر والفسوق والعصيان، فإذا علمتُ أن هدايتي وضلالي بيد الله عز وجل، وأن الجنة والنار والخير والشر بيد الله عز وجل فهذا يدعوني لأن أضرع إلى الله عز وجل وأستغيث وأستعيذ بالله عز وجل من كل شر، وأن يجعلني من أهل الصلاح والفلاح والهداية، ومن أهل الجنة في الآخرة، ومن أهل السعادة في الدنيا والآخرة.
وكذلك الجدية في العمل والمسارعة إلى الخيرات، كما جاء في الحديث: (اعملوا فكل ميسر لما خلق له).
فنسأل الله حسن الخاتمة؛ لأن أقدار الله غالبة، والعاقبة غائبة -أي: غائبة عنا-، فعلى العباد الاجتهاد كما أمر النبي صلى الله عليه وسلم بذلك ونصح به.
فإذا كان أمري معلوماً عند الله عز وجل يقيناً وأنا لا أعلمه فإن ذلك يدفعني إلى الاستزادة من العمل الصالح؛ رجاء أن يتقبل الله عز وجل هذا العمل مني، وأن يجعلني من أهل الصلاح والفلاح.
وكذلك التسليم الكامل لما قدره الله وقضاه؛ لأنه لا يجوز أبداً الاحتجاج بالقدر على المعاصي، وإنما الواجب الاحتجاج بالقدر على المصائب، فإذا نزلت بك مصيبة بعد أن اتخذت كامل الأسباب وعوامل الاحتياط في دفعها، فقل: إنا لله وإنا إليه راجعون، قدر الله وما شاء فعل.
وهذا كلام المؤمنين النابع من إيمانهم بقدر الله عز وجل فإذا وقعت المصائب بأحدهم كالمرض مثلاً أو كالسقوط أو وقوع الجدار أو نزول أي بلية بعد أخذ الاحتياط اللازم لدفعها فعليه أن يقول: إنا لله وإنا إليه راجعون، إن لله ما أخذ وله ما أعطى وكل شيء عنده بأجل مسمى، ثم يصبر بعد ذلك ويحتسب، وهذا هدي النبي صلى الله عليه وسلم إذا نزلت به المصيبة.
ولا يجوز الاحتجاج بالقدر على المعاصي، وإنما على المصائب، وهذا لا يكون أيضاً إلا بعد اتخاذ الأسباب، فقل: قدر الله وما شاء فعل، وهنا يظهر الإيمان بالقدر، فإذا مات والدك فلا تصح وتبكي وتلطم خدك وتشق جيوبك مدة ثلاثة أو أربعة أشهر، ثم تقول: أستغفر الله العظيم، قدر الله وما شاء فعل، إنا لله وإنا إليه راجعون.
فالإيمان بالقدر يظهر في وقته، فتقول في نفس الوقت: إنا لله وإنا إليه راجعون، إن لله ما أخذ وله ما أعطى وكل شيء عنده بأجل مسمى.
ووقوع الخير أو وقوع الشر في العباد له منافع، فمثلاً المرض فيما يبدو للعبد شر، ولكنه في علم الله عز وجل خير، وإن بدا لنا أنه شر، حتى إن بعض الأطباء يقولون: إن هناك جراثيم لا يمكن أبداً أن يقتلها دواء أو غيره، ولا يقتلها إلا مرض أو أمراض معينة تصيب العبد، فالمرض وإن كان شراً للعبد إلا أن الله عز وجل قد خبأ له الخير.
والزنا شر، والله عز وجل فرض حداً على العبد الزاني إما جلد مائة وتغريب عام، أو الرجم، فلو أن الزاني رجم في ميدان عام، وتفرج العالم على هذا الحد فلاشك أن من يريد الزنا سيراجع نفسه ألف مرة قبل أن يقدم عليه.
وهذا خير.
فالخير والشر من الله عز وجل خلقاً وإيجاداً، ولكنه من العبد اكتساباً وفعلاً.
ومن فوائد الإيمان بالقدر أنه يورث التسليم الكامل بما قدره الله عز وجل وقضاه، فإذا وقعت مصيبة بالعبد سلم أمره إلى مولاه دون جزع، وقد قال بعض السلف: القدر يحتج به في المصائب ولا يحتج به في المعايب، فإذا أذنب العبد ذنباً استغفر، ولا يجوز له الاحتجاج بالقدر؛ لأن الله تعالى خلقه وهداه، وجعل له مشيئة، كما قال: {لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ} [التكوير:28].
ولما زنى عبد في عهد عمر بن الخطاب رضي الله عنه جيء به إلى عمر فقال: ما الذي حملك على هذا؟ قال: القدر، فأمر برجمه، فقال: يا أمير المؤمنين! أترجمني في شيء قدره الله تعالى علي؟ قال: نعم، فإنما وقعت فيما وقعت فيه بقدر الله، وإنما نعاقبك بقدر الله عز وجل، يعني: العقاب نفسه من قدر الله عز وجل، بل هو من قدر الله الشرعي الذي أمر به وأحبه، وحث عليه في كتابه وفي سنة نبيه، وأما الذي وقعت فيه فإنما هو من قدر الله الكوني القدري.
أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم.
وصلى اللهم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.