وقال أحمد: وكيع لم يتلطخ بالسلطان، وفي الحديث الحسن: (من اقترب من السلطان افتتن).
فـ وكيع عليه رحمة الله لم يتقرب ولم يتزلف إلى سلاطين زمانه ألبتة.
وما رأيت أحداً أوعى للعلم منه، ولا أشبه بأهل النسك منه، يعني: كان يجمع إلى العلم الورع والعبادة والزهادة والحفظ والإتقان وغير ذلك.
وكان وكيع يحفظ ألف ألف حديث، أي: مليون حديث.
ويقول: قد عرض على وكيع أن يعمل قاضياً للكوفة فامتنع وفر منه.
وكان كثير من علماء السلف يهربون من هذه المناصب رغم أنها مناصب شرعية، إلا أنهم كانوا يفرون منها فرارهم من الأسد، وكانوا يفرون من هذه المناصب بقدر إقبالنا عليها الآن، وحرصنا على أن نحوز منها نصيباً ولو كان تافهاً أو بسيطاً أو حقيراً.
وقد روي أن الوالي أرسل إلى سفيان الثوري فأتاه، فقال: يا سفيان! تول القضاء، فجعل سفيان الثوري نفسه معتوهاً لا يعرف أي شيء، وفتح فمه، فصدق ذلك السلطان وقال: هذا لا ينفع أن يكون قاضياً وهو بهذا الشكل، فقالوا: يا سلطان! إنه يفعل هذا لأجل أن يفر منه، فعندما تنبه السلطان قال: يا سفيان! إنك لن تلعب علينا، وإنك ستتولى القضاء، فلما لم يجد سفيان بداً من الحيلة احتال مرة أخرى، فقال له: يا سفيان! عدني أنك تعود مرة أخرى، فوعده، ثم لما خرج من عنده عاد في نفس الوقت؛ لأنه ترك نعله هناك، فرجع وأخذ النعل ومشى، فبعض الحاضرين أدرك المسألة فقال: يا سلطان! هذا لن يرجع إليك، فإنه قد رجع كما وعد، فأخذ نعله وانصرف.
فكان السلف يهربون من هذه المناصب، وأما نحن الضعفاء المساكين فنقبل عليها إقبال الجريء الغبي الجاهل، ووكيع عرض عليه القضاء فلم يقبله أبداً.