قال المصنف رحمه الله: [حدثني أبو خيثمة زهير بن حرب حدثنا وكيع عن كهمس عن عبد الله بن بريدة عن يحيى بن يعمر (ح)، وحدثنا عبيد الله بن معاذ العنبري وهذا حديثه، حدثنا أبي -وهو معاذ العنبري - حدثنا كهمس عن ابن بريدة].
ولم يقل: عن عبد الله بن بريدة؛ لأنه قال في الإسناد السابق: عن عبد الله بن بريدة، فيستوي هنا أن يقول: عن عبد الله بن بريدة أو يقول ابن بريدة؛ لأنه قد علم من الإسناد السابق أنه عبد الله وليس سليمان؛ لأن ابن بريدة إما أن يكون هو عبد الله أو سليمان، ولما كان الراوي لهذا الحديث هو عبد الله وقد بين في موطن لم يضر إبهامه في الموطن الثاني؛ لأنه قد علم سلفاً أنه عبد الله وليس سليمان، فأمن بذلك اللبس من أن يكون هو سليمان، وسليمان أوثق من أخيه عبد الله، وكلاهما ثقة، ولكن سليمان مقدم في الرواية على عبد الله.
قال: [عن يحيى بن يعمر قال: كان أول من قال في القدر بالبصرة]، أي: أول من قال: لا قدر وأن الأمر أنف، وأن الله تعالى لا يعلم الأشياء إلا بعد وقوعها، وأما قبل وقوعها فلا.
قال: [معبد الجهني -عليه من الله ما يستحق-، فانطلقت أنا وحميد بن عبد الرحمن الحميري -أي: من البصرة- حاجين أو معتمرين، فقلنا: لو لقينا أحداً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فسألناه عما يقول هؤلاء في القدر]، يعني: يا ليتنا نوفق أن نرى أحداً من علماء الصحابة فنكلمه عن هؤلاء القوم الذين ظهروا حديثاً وتكلموا بكلام لم نعهده من قبل.
قال: [فوفق لنا عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما].
وهو إمام جليل من أئمة الصحابة، ومن أكثر الصحابة التزاماً وفهماً لسنة النبي صلى الله عليه وسلم.
قال: [فوفق لنا عبد الله بن عمر بن الخطاب داخلاً المسجد -وهو مسجد مكة- فاكتنفته أنا وصاحبي أحدنا عن يمينه والآخر عن شماله، فظننت أن صاحبي سيكل الكلام إلي].
والظن هنا بمعنى: غلبة الظن، يعني: ترجح لدي أن صاحبي -وهو حميد بن عبد الرحمن - سيكل الكلام إلي، أي: سيوكلني في أن أتكلم وأعرض ما عندي على عبد الله بن عمر.
قال: [فقلت: أبا عبد الرحمن!].
أي: يا أبا عبد الرحمن! ولكنه حذف حرف النداء (يا)، فقال: أبا عبد الرحمن! وهذا فيه تلطف عن ذكر حرف النداء، وفيه ود واسترعاء لأفهام المتكلم أو أفهام السامع.
قال: [أبا عبد الرحمن! إنه قد ظهر قبلنا ناس يقرءون القرآن ويتقفرون العلم].
فقوله: (إنه قد ظهر قبلنا) أي: ناحيتنا في جهة البصرة، وقوله: (ويتقفرون العلم) يعني: يطلبونه طلباً حثيثاً.
قال: [وذكر من شأنهم -أي: وقص عليه من أخبارهم- وأنهم يزعمون أن لا قدر -يعني: يقولون: لا قدر- وأن الأمر أنف، قال: فإذا لقيت أولئك فأخبرهم -والقائل هنا هو عبد الله بن عمر - أني بريء منهم -لأن هذا قول محدث في دين الله عز وجل- وأنهم برآء مني، والذي يحلف به عبد الله بن عمر - وعبد الله بن عمر لا يحلف إلا بالله وبأسمائه وصفاته- لو أن لأحدهم مثل أحد ذهباً فأنفقه ما قبل الله منه حتى يؤمن بالقدر].
لأن القدر من أعظم أركان الإيمان، وفي الحديث: (لا يؤمن أحدكم حتى يؤمن بالقدر).
قال رحمه الله: [ثم قال: حدثني أبي عمر بن الخطاب قال: (بينما نحن جلوس عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم إذ طلع علينا رجل شديد بياض الثياب شديد سواد الشعر، لا يرى عليه أثر السفر ولا يعرفه منا أحد، حتى جلس إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فأسند ركبتيه إلى ركبتيه، ووضع كفيه على فخذيه، وقال: يا محمد! أخبرني عن الإسلام، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الإسلام: أن تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتصوم رمضان، وتحج البيت إن استطعت إليه سبيلاً، قال: صدقت، قال: فعجبنا له -والقائل هنا عمر - يسأله ويصدقه)].
لأن هذا على خلاف عادة السائل الجاهل، إذ إنه يسأل عما خفي عليه، فإذا علم الجواب أخذه وانصرف، وأما هذا السائل فهو يسأل السؤال ثم يقول للمجيب: أنت صادق في هذه الإجابة، أي: أنه عنده علم سابق، وسؤاله هذا ليس لغرض التعلم، وإنما له غرض آخر، وهو أن يعلم الحضور جواب هذا السؤال.
قال: [(قال: فأخبرني عن الإيمان؟ قال: أن تؤمن بالله وم