قال: (في صفة خيام الجنة).
الجنة فيها خيام؛ لكن الخيام من لؤلؤ، وكل خيمة من لؤلؤة واحدة مجوفة، طولها في السماء ستون ميلاً، وعرضها ستون ميلاً في الأرض، والميل يساوي كيلو واحد وسبعة من عشرة، أو واحد وأقل من سبعة من عشرة.
ولو قلنا أن هذا هو الميل الذي ذكره الرسول عليه الصلاة والسلام هو ما يقدر بميل الدنيا فنقول: إن طول الخيمة الواحدة ستة وتسعون كيلو أو حوالي مائة كيلو، وعرضها مائة كيلو.
فتصور أن تكون أنت في خيمة طولها في السماء مائة كيلو وعرضها في الأرض مائة كيلو، والله تعالى يجعل لك أهلاً في كل زاوية من زوايا هذه الخيمة، يجعل لك واحدة من الحور العين هنا، والثانية هناك في آخر الخيمة من الناحية الثانية، وواحدة في الشمال، وواحدة في الجنوب، إذا ذهبت إلى هذه فلا تراها الأخرى، وإذا ذهبت إلى الأخرى فلا تراها الأولى، مع أنهم لو رأوا بعضهم بعضاً فلن يكون بينهم ما يكون بين الضرائر في الدنيا، ومع هذا فإن الواحد يتنقل بين أهله لا يراه الآخرون.
تصور خيمة من لؤلؤة واحدة مجوفة يبلغ طولها ستون ميلاً وعرضها ستون ميلاً، ولا يمكن لأحد قط أن يتخيل ذلك ولا أن يتصوره، فالمرء يحتاج في الجنة إلى مركب ليسير في خيمته في داخلها إلا أن يحمله الله عز وجل على ما شاء مما خلق.
قال: [قال أبو موسى الأشعري رضي الله عنه: قال النبي عليه الصلاة والسلام: (إن للمؤمن في الجنة لخيمة من لؤلؤة واحدة مجوفة -يعني: مفرغة من الداخل- طولها ستون ميلاً، للمؤمن فيها أهلون -جمع أهل- يطوف عليهم المؤمن فلا يرى بعضهم بعضاً)].
يعني: هؤلاء لا يرون هؤلاء.
وقال: [(في الجنة خيمة من لؤلؤة مجوفة عرضها ستون ميلاً)].
في الرواية الأولى: طولها ستون ميلاً، وهنا: عرضها ستون ميلاً، ولا منافاة بين الحديثين؛ للدلالة أن الطول كالعرض، الطول في السماء، والعرض في الأرض.
قال: [(في كل زاوية منها أهل ما يرون الآخرين، يطوف عليهم المؤمن)].
وهذا حظ المؤمن وزيادة، أما ما في الجنة من أنهار فقد قال أبو هريرة رضي الله عنه: قال النبي عليه الصلاة والسلام: (سيحان، وجيحان، والفرات، والنيل، كل من أنهار الجنة).
أما الفرات فليس هو الفرات المعروف بأرض العراق، وإنما هو نهر يفصل بين الشام وبين جزيرة العرب، وأما سيحان وجيحان فهما نهران في أرض الأرمن بقرب الشام، وليس هما سيحون وجيون اللذان بأرض خراسان، هذه الأنهار الأربعة: سيحان، وجيحان بأرض الأرمن قرب الشام، والفرات الذي هو بين الشام وجزيرة العرب، والنيل الذي هو بأرض مصر، هي من أنهار الجنة.
واختلف العلماء في معنى أن هذه الأنهار من أنهار الجنة، فقيل: كون هذه الأنهار من أنهار الجنة أي أن ماء الجنة يصب فيها، وهذا أظهر الوجهين، وأن أصل هذه الأنهار ينزل فيه الماء من الجنة، ولذلك قال الإمام النووي: وأنها من أنهار الجنة على ظاهره، يعني ينبغي أن نعتقد أن هذه الأنهار هي من أنهار الجنة، لكن كيف أنها من أنهار الجنة؟ قال: باعتقاد أن مادة هذه الأنهار من الجنة، والجنة مخلوقة موجودة اليوم عند أهل السنة والجماعة، وقد ذكر مسلم في كتاب الإيمان في حديث الإسراء أن الفرات والنيل من الجنة، يعني: أصل خروج النيل والفرات من الجنة، وقد أورد البخاري في صحيحه حديثاً: (إن النيل والفرات أصلهما عند سدرة المنتهى فوق السماء السابعة)، فينبغي أن نؤمن بذلك ونسلم ولا نقول: كيف؟ ولماذا؟ والتأويل الثاني: أن الإيمان عم أهل هذه البلاد، فقد عم أهل الشام ومصر والجزيرة العربية، أي: أن الإيمان عم أهل هذه الأنهار وبلادها أو الأجسام المتغذية بها، فهي صائرة إلى الجنة، أو مآلها إلى الجنة، ولكن هذا تأويل بعيد، فأهل مصر الآن يهود، ونصارى، ومسلمون، وهم يتغذون بماء النيل، وماء النيل من ماء الجنة، أو النيل من أنهار الجنة، وليس المعنى أن من شرب من النيل دخل الجنة، أو من تغذى بدنه من ماء النيل دخل الجنة، بل كثير ممن يتنعم بنعيم الله عز وجل من النيل وغيره إنما هو على الإلحاد، والعلمنة، والزندقة، والفسق، والفجور وغير ذلك فلا يلزم منه أن كل من شرب من نهر النيل دخل الجنة، كما هو معروف عند الناس أن الذي يشرب من النيل يرجع له، فنقول: إذا كان من أهل الإيمان مرحباً به، أو غير ذلك فلا مرحباً به.