والمراد من هذه الكلمة معناها لا مجرد التلفظ بها، ولو كان المطلوب هو مجرد التلفظ بها لما كان هناك حرب ضروس على مدار هذه القرون الطويلة، ولما حارب النبي عليه الصلاة والسلام أحداً؛ لأنه كان بإمكان كل أحد أن يقولها، ولذلك كان العرب في زمن النبي عليه الصلاة والسلام -المشركون واليهود وغيرهم- يعلمون جيداً قيمة قولهم: لا إله إلا الله محمد رسول الله، وكانوا يعلمون ما تحمل هذه الكلمة في طياتها من معان وتكاليف وأحكام، ومن تغيير لما هم عليه من عقيدة فاسدة، ولذلك امتنعوا عن التلفظ بها، لأنهم يعلمون معنى هذه الكلمة.
قال: والكفار الجهال يعلمون أن مراد النبي صلى الله عليه وسلم بهذه الكلمة هو إفراد الله تعالى بالتعلق، فلا يتعلق قلبك ولا بدنك إلا بالله عز وجل إذا نطقت بهذه الكلمة، والكفر بما يعبد من دون الله عز وجل والبراءة منه، فإنه لما قال لهم قولوا: لا إله إلا الله قالوا: {أَجَعَلَ الآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ} [ص:5]، أي: أجعل الآلهة التي نعبدها هذه كلها إلهاً واحداً؟! وكان حول الكعبة ثلاثمائة وستون صنماً، وهذه أصنام عامة، وقد كان لكل واحد أن يعبد ما شاء من هذه الأصنام، وكان لكل واحد في بيته إله من عجوة أو من خشب أو من حديد، فقد كان لكل واحد منهم إله مخصوص وإله عام، والإله المخصوص هو الذي كان يصنعه بيده، وأما الإله العام فقد كانت تشترك فيه القبائل، إما في صنعه وإما في دفع ثمنه للصانع، وربما يأتي شخص بعجوة أو بأي شيء ويصنع منه إلهاً، ويجعل له عينين ويعبده، وهو الذي عمله! وهذا هو الخبل والغباء.
فإذا عرفت أن جهال الكفار يعرفون ذلك فالعجب ممن يدعي الإسلام وهو لا يعرف من تفسير هذه الكلمة ما عرفه جهال الكفار، بل يظن أن ذلك هو التلفظ بحروفها من غير اعتقاد القلب لشيء من المعاني، والحاذق منهم يظن أن معناها: أنه لا يخلق ولا يرزق إلا الله، ولا يدبر الأمر إلا الله، ولا يعرف أن هذا هو توحيد الربوبية، وأن المطلوب منه شيء آخر، وهو توحيد الألوهية، ولا خير في رجل جهال الكفار أعلم منه بمعنى لا إله إلا الله.