قال العلماء: قوله عليه الصلاة والسلام: (عبد أو أمة) هنا (أو) ليست للشك وإنما هي للتقسيم.
والمراد بالغرة: العبد أو الأمة، فالغرة اسم لكل واحد منهما سواء كان ذكراً أو أنثى.
قال: (قال الجوهري: كأنه عبر بالغرة عن الجسم كله).
لأن الأصل في الغرة هي في الجبهة، والنبي عليه الصلاة والسلام لما أراد بهذه الدية الغرة لم يرد بها جبهة العبد أو جبهة الأمة، وإنما عبر عن الكل بالجزء، أو أطلق الجزء وأراد الكل، كما في عتق رقبة.
وأصل الغرة بياض في الوجه.
ولهذا قال أبو عمرو: المراد بالغرة: الأبيض منهما خاصة.
يعني: سواء كان ذلك عبداً أو أمة، لأنه لو كان الأسود مراد النبي عليه الصلاة والسلام فلا قيمة أن يذكر الغرة، وسوف يقول: دية الجنين عبد أو أمة.
وإنما قال: (غرة عبد أو أمة) ليثبت أن المراد هو الحسن والجمال في العبد أو الأمة الذي جعل دية لهذا الجنين.
قال أبو عمرو: ولا يجزئ الأسود، ولولا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أراد بالغرة معنى زائداً على شخص العبد والأمة لما ذكرها.
فالمعنى الزائد هو: أن يكون عبداً أبيضاً مليحاً، أو أمة بيضاء أو حسناء، أو زهية، أو غير ذلك، لأن الفرس الأغر هو الفرس الذي في وجهه بياض، كما جاء في الحديث أن النبي عليه الصلاة والسلام زار المقبرة فقال: (السلام عليكم أهل الديار من المؤمنين والمؤمنات يغفر الله لنا ولكم، ليتنا نرى إخواننا.
فقالوا: يا رسول الله أولسنا إخوانك؟ قال: بل أنتم أصحابي، وإخواني يأتون من بعدي يؤمنون بي ولا يروني) نسأل الله أن نكون كذلك، وألا نكون مبدلين ولا مغيرين فنطرد عن الحوض.
(قالوا: يا رسول الله! كيف تعرفهم؟ قال: يأتون غراً محجلين).
فالغرة بياض في الجبهة.
والتحجيل بياض في الساق.
(من آثار الوضوء).
أي: بسبب الوضوء (فمن استطاع منكم أن يطيل غرته فليفعل).
ولذلك أبو هريرة رضي الله عنه كان إذا توضأ شمر عن عضديه وساقيه فجعل الماء يبلغ إبطه.
يعني: كان يغسل ذراعه إلى حد الإبط، وكان يتخبأ إذا فعل ذلك، وكان يغسل رجليه حتى يبلغ ركبتيه، فلما رآه أو اطلع عليه أحد أصحابه قال: يا أبا هريرة ماذا تصنع؟ قال: أو قد رأيتني، إني سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (تبلغ الحمية من المؤمن حيث يبلغ الوضوء) والحمية أي: تبلغ الغرة والتحجيل من المؤمن حيث يبلغ الوضوء.
فـ أبو هريرة ما ترك ذلك قط بعد أن سمع هذا الحديث من النبي عليه الصلاة والسلام، والشاهد من ذلك كله: أن الغرة بياض في الوجه، ولولا أن النبي عليه الصلاة والسلام أراد اختيار الأمة الحسناء أو العبد الجميل المليح أن يكون دية للجنين الذي مات بسبب الاعتداء على أمه لما كان لقوله: (غرة) معنى؛ فدل ذلك على أن المراد بالغرة معنى زائد على مجرد أن هذا عبد أو أمة، وهو الحسن، أو الشيء النفيس.
قال الإمام النووي: وهو خلاف ما اتفق عليه الفقهاء.
يعني: أبو عمرو يقول: لا يجزئ الأسود بل لا بد أن يكون صاحب حسن، وجمال.
لكن الإمام النووي يقول: هذا القول من أبي عمرو خلاف ما اتفق عليه الفقهاء أنه يجزئ فيها السوداء ولا تتعين البيضاء، وإنما المعتبر عندهم أن تكون قيمتها عشر دية الأم.
ونحن نعرف أن دية المرأة على النصف من دية الرجل، وإذا كانت دية الرجل مائة بعير فدية المرأة خمسين بعيراً، فإن دية الجنين عُشر دية الأم.
أي: خمسة أبعرة.
قال: (وإنما المعتبر عندهم أن تكون قيمتها عشر دية الأم، أو نصف عشر دية الأب.
قال أهل اللغة: الغرة عند العرب هي أنفس الشيء وأطلقت هنا على الإنسان؛ لأن الله تعالى خلقه في أحسن تقويم، وأما ما جاء في بعض الروايات في غير الصحيح (بغرة أمة، أو عبد، أو فرس، أو بغل) فرواية باطلة، وقد أخذ بها بعض السلف.
وحكي عن طاوس وعطاء ومجاهد: أنها عبد، أو أمة، أو فرس.
وقال داود: كل ما وقع عليه اسم الغرة يجزئ؛ فالغرة هي: عبد، أو أمة.
ومن قال أنها فرس أو بغل فهذا قول لم يصح به الدليل، حتى وإن أخذ به بعض أهل العلم.