الحمد لله رب العالمين، ونصلي ونسلم على محمد وآله، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
أما بعد: فهذا هو الدرس الثاني من كتاب الجنة ونعيمها من صحيح مسلم.
قال: (باب في سوق الجنة).
الجنة فيها سوق، وهذا السوق يعقد في كل أسبوع مرة، وإذا قلنا: في كل أسبوع فلا بد أن يوم الجمعة هو يوم ضمن سبعة أيام، وليس في الجنة ليل ولا نهار، وليس فيها أيام، وليس فيها شمس ولا قمر، إنما الجنة نعيم دائم، ولكن النبي صلى الله عليه وسلم قرب لنا الأمر فقال: [(إن في الجنة لسوقاً)] أي: يعقد في كل أسبوع مرة، أي: فيما يعدل كل أسبوع من أسابيع الدنيا مرة، هذا اليوم يسمى يوم المزيد، ويعقد فيما يعادل في الدنيا يوم الجمعة، وفيها يطلع الله عز وجل على عباده من أهل الجنة ليروا وجهه الكريم، فإذا رأوا وجه الله تعالى ازدادوا حسناً، ونوراً، وبهاء، وجمالاً، فيرجعون إلى أزواجهم، فيلحظ أزواجهم ذلك فيهم، فيقولون: والله ما ازددتم بعدنا إلا حسناً، وجمالاً، وكمالاً، فيقول الأزواج لزوجاتهم: وأنتن والله ما ازددتن بعد أن فارقناكن إلا حسناً وجمالاً؛ لأن أهل الجنة جميعاً يرون الله عز وجل في هذا اليوم الذي يسمى بيوم المزيد، أي: يزاد في نورهم، وبهائهم، وحسنهم.
قال: [قال أنس بن مالك رضي الله عنه: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إن في الجنة لسوقاً)].
وسمي سوقاً لاجتماع الناس فيه؛ لأنه لا يقال للمكان سوقاً إلا إذا اجتمع فيه الناس، لأن الناس يساقون إليه لقضاء حوائجهم.
قال: (يأتونها كل جمعة، فتهب ريح الشمال)].
بفتح الشين لا بكسرها، وهي الريح التي يسميها العرب: ريح الشمأل، أو الشموأل، أو ريح دبر القبلة، أو ريح شامية تأتي من جهة الشام، وكانت العرب تحب أن تأتي الرياح من قبل الشام؛ لأنها تأتي بالخير، وتأتي بالمطر.
قال: [(فتحثو في وجوههم وثيابهم -أي: تحمل في طياتها الخير حتى تجعله في وجوههم وثيابهم- فيزدادون حسناً وجمالاً -أي: فيزداد أهل الجنة حسناً وجمالاً- فيرجعون إلى أهليهم وقد ازدادوا حسناً وجمالاً، فيقول لهم أهلوهم -أي النساء-: والله لقد ازددتم بعدنا حسناً وجمالاً، فيقولون: وأنتم والله لقد ازددتم بعدنا حسناً وجمالاً)].
هذه الريح أحياناً يسميها العرب: الريح المثيرة، أي: المحركة؛ لأنها تثير في وجوههم وثيابهم ما تثيره من مسك أرض الجنة، فيزدادون بذلك حسناً وجمالاً.