Q هناك شبهة في أمر هدم الأصنام التي يفعلها إخواننا في أفغانستان وهي: (لماذا لم يهدم الصحابة عند دخول مصر أبا الهول؟) وجزاكم الله خيراً.
صلى الله عليه وسلم هم يقولون القطعة التي ذهبت من أنف أبي الهول إنما هي بسبب فعل الحملة الفرنسية لما دخلت مصر، أرادت أن تتخلص من الأصنام؛ لأن هذا شرك.
هم يقولون في التاريخ المزور: إن الحملة الفرنسية لم تأت إلا لتكتشف حجر رشيد، وهذا تزوير في وجه التاريخ، والمعلومة التي يجب أن تعرفها تماماً: هي أن الفرنسيين نصارى، ربما يقدسون أبا الهول، ويعتبرونه إلهاً معبوداً.
فهل يتصور أن يقوموا عليه ويجدعوا أنفه، أو يكسروه، أو يدفنوه؟ إن الذي فعل ذلك هم أوائل المسلمين لما دخلوا مصر، تعرضوا لهدم الأهرامات كما تعرضوا لتكسير وتحطيم أبي الهول، لكن هذه المحاولات لم تتم.
تصور أن هذه القطعة من الحجارة التي كسرت كانت بعد محاولات استمرت ثلاثة أشهر، فكيف بتحطيم أبي الهول كله؟ بل كيف بتحطيم الأهرامات كلها؟ فهذا أمر بلا شك يذهب الغالي والنفيس في دولة في طور تكوينها، فأيهما أولى: ترك ذلك وبناء الدولة؟ أما تخريب الدولة من الداخل بإنفاق اقتصادها وأموالها في تكسير حجر، ليس معبوداً في ذلك الوقت؟ بلا شك أن المصالح والمفاسد تقول: بناء الدولة مقدم.
الرد الثاني: أن عمرو بن العاص رضي الله عنه لما نزل مصر، كان موطنه في الفسطاط -أي: مصر القديمة- ولم يكن هناك بلد تسمى الجيزة، وكانت من الفسطاط إلى الأهرامات صحراء قاحلة لا زرع فيها ولا ماء، فـ عمرو بن العاص رضي الله عنه اعتبر أن بعد الأهرامات وبعد أبي الهول وعدم اكتراث واهتمام الناس بزيارة هذه الأماكن أمر يشرع معه تأخير تكسير مثل هذه الأصنام، ولذلك هل ثبت أن صنماً من الأصنام كان في المدينة وتركه عمرو؟ هل كان هناك صنم في البنيان والعمران وتركه عمرو بن العاص ومن معه من المسلمين؟ فهذا رد عن الشبهة في تكسير الأصنام في مصر.
أما حكم ما يفعله إخواننا هناك في هذا المعبود المزيف، فهو أمر مشروع اتفاقاً، ومن نطح في ذلك فإنما ينطح فيه بهوى أو خوف، وإن كان توقيت ذلك عندي فيه نظر، لكن هذا النظر يدفعه أن هؤلاء ممكنون في أفغانستان فلم التأخير إذاً؟ وهذا الصنم إنما يعبد من دون الله عز وجل، ولذلك أرى من الحكمة أنهم هدموا هذا الصنم ولم يهدموا القباب والقبور مع أنها تعبد من دون الله هناك.
وحجتهم في ذلك: أن القباب تحتاج إلى فترة لتعليم الناس؛ لأنهم درجوا على الصلاة في هذه المساجد التي بها قبور، أما (بوذا) فإنه يعبد من بعض أهل البلد، ومن القادم من الخارج خصيصاً؛ لأنه عندهم إله.
أما المقبورون فإنهم لا يمثلوا هذه الدرجة عند من اتخذهم، أو توسل بهم، أو غير ذلك وإن كانت كل هذه مظاهر من مظاهر الشرك.
تصور لو أنك في بيتك وقد اتخذ ولدك حجراً يعبده من دون الله عز وجل فإنك ممكَّن حينئذ من تكسير هذا الإله.
ولو أنك تخلفت عن هذا ولم تفعل أثمت بذلك، لأنك ممكن، فهؤلاء رأوا أنهم ظاهرون ممكنون، وأنهم أصحاب نجدة.
وقد اتخذ القوم إلهاً في بلدهم يعبد من دون الله عز وجل، فلما علموا ذلك من أنفسهم قاموا فاقتلعوا هذا الإله من جذوره، ودمروه تدميراً، فجزاهم الله تبارك وتعالى على ما صنعوا خيراً.
أما الشبهة أن هذا أمر يعطي صورة سيئة عن الإسلام للعالم كله، فهذا كلام لا يقوله إلا الملاحدة أو الجهلة من المسلمين؛ لأن الشريعة لو طبقت في العالم كله إلا في بلاد أوروبا وأمريكا وكسر وهشم بوذا لكانت نفس الشبهة باقية وقائمة، تردد حتى على ألسنة بعض المتدينين في مصر بلد الإسلام، وبلد الأزهر.
ونرد عليهم بأن النبي عليه الصلاة والسلام لما رجع إلى مكة فاتحاً كسر الأصنام؛ لأنه قادر ممكن، ولأن الدولة صارت دولة إسلامية، والبلد فتح فما الحجة في تأخير تكسير ثلاثمائة وستين صنماً حول الكعبة تعبد من دون الله عز وجل؟ فقد كسرها النبي عليه الصلاة والسلام وهو يتلو قول الله عز وجل: {وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا} [الإسراء:81].
أي: ضعيف لا أوتاد له، ولا أساس له.
فلماذا لم يقل المشركون الذين لم يدخلوا في الإسلام بعد في ذلك الوقت: إن فعل محمد وأصحابه بهذه الأصنام يعطي صورة سيئة عن الإسلام، وعن الدين الجديد؟ فمرد هذه الشبهة إلى العلمانيين والملاحدة في هذا البلد، أو في غيره من البلدان.
أقول قولي هذا، وأستغفر الله تعالى لي ولكم، وصلى الله على نبينا محمد.