وقد اختلف العلماء في التعزير: هل يقتصر فيها على عشرة أسواط فما دونها ولا تجوز الزيادة أم تجوز الزيادة؟ فقال ابن حنبل وبعض من المالكية والشافعية: لا تجوز الزيادة على عشرة أسواط.
أما جماهير العلماء من الصحابة والتابعين ومن بعدهم فذهبوا إلى جواز الزيادة.
ثم اختلف هؤلاء فقال مالك وأصحابه وأبو يوسف ومحمد وأبو ثور والطحاوي: لا ضبط لعدد الضربات.
يعني: هم قالوا بجواز الزيادة فقط، واختلفوا في الضابط في ذلك، فلم يذكروا عدداً معيناً، بل ذلك راجع إلى رأي الإمام، وله أن يزيد على قدر الحدود، كما أنهم استندوا إلى فعل سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه لما حد صاحب الخمر ثمانين، ونحن نعلم أن الحد المضبوط الذي حده علي بن أبي طالب، وحده من قبله النبي عليه الصلاة والسلام وأبو بكر هو أربعون، أما عمر فحد ثمانين، يعني: عزر بأربعين، وجمع بين الحد والتعزير في مجلس واحد، وربما زاد على ذلك؛ لحديث النبي عليه الصلاة والسلام: (جلد النبي صلى الله عليه وسلم شارب الخمر نحواً من أربعين)، يعني: قريباً من أربعين.
والقريب من هذا سبعة وثلاثون، ثمانية وثلاثون، وربما يكون اثنين وأربعين، أو ثلاثاً وأربعين جلدة زائدة.
وهذا مذهب جماهير العلماء: أن التعزير ربما يبلغ الحد وزيادة.
قال الجمهور: لأن عمر رضي الله عنه ضرب من نقش على خاتمه مائة، وضرب صبياً أكثر من الحد، وقال أبو حنيفة رضي الله عنه: (لا يبلغ به أربعين؛ لأنه أقل الحد).
وقال ابن أبي ليلى: (خمسة وسبعون)، وهي رواية عن مالك وأبي يوسف وعن عمر: لا يجاوز به ثمانين، يعني: يضرب الحد، لكن لا يبلغ به ثمانين.
وعن ابن أبي ليلى في رواية أخرى: (هي دون المائة)، وهو قول ابن شبرمة، وقال ابن أبي ذئب وابن أبي يحيى: (لا يضرب أكثر من ثلاثة في الأدب)، يعني: في التأديب والتعزير لا يضرب أكثر من ثلاث.
وقال الشافعي والجمهور من أصحابه: لا يبلغ تعزير كل إنسان أدنى حدوده فلا يبلغ بتعزير العبد عشرين، أي: نصف حد الخمر؛ لأن العبد إذا شرب الخمر حد على نصف حد الحر، فإذا كان حد الحر أربعين فحد العبد عشرون، ولا يبلغ تعزير الحر أربعين، وقال بعض أصحابنا: لا يبلغ بواحد منهما أربعين، وقال بعضهم: لا يبلغ بواحد منهما عشرين، وأجاب أصحابنا عن الحديث: بأنه منسوخ؛ وإلا فإن الحديث سيهدم هذه الآراء كلها؛ لأنه لا اجتهاد مع وجود النص والاجتهاد مع وجود النص باطل.
فقال: أجابوا عن هذا الحديث بأنه منسوخ، واستدلوا بأن الصحابة رضي الله عنهم جاوزوا عشرة أسواط، وتأوله أصحاب مالك على أنه كان مختصاً بزمن النبي عليه الصلاة والسلام؛ لأنه كان يكفي الجاني منهم هذا القدر، وهذا التأويل ضعيف.
ولذلك مذهب من قال: بأن هذا النص منسوخ وأن الزيادة جائزة في التعزير عن عشرة أسواط رأي ضعيف وإن كان رأي الجمهور، فمذهب الجمهور: جواز الزيادة، والحقيقة أن النص قاضٍ عليهم.
وصلى الله على نبينا محمدٍ، وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.