قال: (واختلف العلماء في من شرب النبيذ).
والنبيذ: هو كل ما ينتبذ من سوى العنب.
لأن الذي يتخذ من العنب لا خلاف في أنه الخمر، فالعرب لم تكن تطلق مصطلح الخمر إلا على ما يتخذ من عصير العنب، وما يتخذ من غير العنب لا يقولون عنه: خمر، إنما يقولون عنه: نبيذ.
والنبيذ: هو النقع؛ ولذلك: (نهى النبي عليه الصلاة والسلام أن ينبذ التمر مع البسر، وأن ينبذ البسر مع الجنيب، وأن ينبذ الجنيب مع الرطب في إناء واحد)، (وكانت عائشة رضي الله عنها تنبذ التمر للنبي عليه الصلاة والسلام فيأكله في اليوم الأول، ويأكله في اليوم الثاني، ويطرحه في الثالث).
أي: لا يشرب منه في اليوم الثالث.
وفي حديث أنس من طريق المختار بن فلفل عند النسائي في سننه: (أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الخليطين) أي: من الثمر.
وفي رواية: (نهى أن ينبذ شيئان في إناء واحد).
يعني: لما تأتي بالتمر مع الزبيب وتنبذهما جميعاً هذا خمر، وذهب أهل العلم إلى حرمة ذلك أو كراهته، على خلاف بين أهل العلم هل هذا مكروه أو محرم؟ حتى قال الإمام النووي في المجموع وكذلك الإمام الشوكاني في كتاب نيل الأوطار في باب الأشربة والأطعمة في آخر مجلد: واختلف أهل العلم: هل هذا الحديث على ظاهره وإن لم يسكر، أو يجوز أن ينبذ كل صنف لوحده، فإذا أراد الشارب أن يشرب خلطهما فشربهما؟ يعني: لو أني في رمضان أتيت بالزبيب ونقعته في آنية على حدة، ثم جئت بالتمر ونقعته كذلك في آنية مستقلة، ولما أُذِّن للمغرب خلطت منقوع التمر مع منقوع الزبيب وشربته، هل هذا العمل مشروع؟
صلى الله عليه وسلم غير مشروع، فإما أن يكون تمراً لوحده كما يفعل عامة الناس، وإما أن يكون أي نوع من أنواع الثمار.
وبعض الناس لديهم أكلة يسمونها سلطة الفواكه: يأتون بالموز والعنب والتمر والتفاح والخوخ وغيرها من الفواكه ثم يقطعونها ليصنعوا منها سلطة فواكه بشكل جميل، وهي بغير ماء، فلا بأس بذلك؛ لأنه لا يقال للنبيذ نبيذاً إلا بالنقع، والنقع لا يكون إلا في الماء، فإذا وضعت هذه الثمار مجتمعة في ماء فهو نبيذ يحرم عليك أكله أو يكره على خلاف بين أهل العلم، وإذا قطعت وخلطت هذه الثمار بغير نقع -أي: لم توضع في ماء- ولم تخرج هي ماءها فتنتبذ فيه فلا حرج في ذلك.
وكذلك العصائر من عدد من ثمار الفواكه وما نسميه نحن بالكوكتيل، فهو عصير، والعصير هذا هو أصل مادة النقع وليس منقوعاً ولا منتبذاً.
ومن أراد أن يراجع المسألة فليرجع إلى نيل الأوطار في كتاب باب: ما جاء النهي عن الخليطين.
وقبله بأبواب وبعده بأبواب، فالمسألة مبحوثة على أعلى مستوى عند الفقهاء.
قال: (واختلف العلماء في من شرب النبيذ وهو ما سوى عصير العنب من الأنبذة المسكرة، فقال الشافعي ومالك وأحمد رحمهم الله وجماهير العلماء من السلف والخلف: هو حرام يجلد فيه كجلد شارب الخمر).
كل العلماء قالوا: النبيذ مثل الخمر بالضبط.
ومعلوم أن الخمر: ما اتخذ من العنب؛ ولذلك الأحناف يقولون: الخمر لا يكون إلا من العنب.
والجمهور على خلاف ذلك، وردوا على الأحناف في ذلك: أن معنى كلمة خمر: التغطية والستر، ومن هنا سمي الخمر خمراً؛ لأنه يستر العقل ويغطيه، فيستوي أن يكون هذا من العنب أو من التمر أو من البر أو الشعير، فالعلة واحدة.
والأحناف لم يوافقوا الجمهور على ذلك.
وأدنى ما قيل من متأخري الحنفية أنهم قالوا: الخمر حرام أصلاً، وأنها من العنب، وغيرها من الخمر يقاس عليها.
ويفهم من قولهم: أن بقية أنواع الخمور ليست حراماً لذاتها وإنما هي حرام بالقياس.
يعني: ليست حراماً بالنبذ وإنما هي حرام بالقياس على الأصل الأصولي وهو: أن ما كان حراماً بالنص تقدم حرمته على ما كان حراماً بالقياس.
فنحن نقول: السجائر حرام.
ونقول: الخمر حرام.
فحرمة الخمر ثابتة بالنص، أما السجائر فثبتت حرمتها بالقياس.
وقد جاء في الأثر: أن أم يعقوب الأسدية أتت عبد الله بن مسعود تقول له: بلغني أنك تلعن كيت وكيت -يعني: الواشمة والمستوشمة والواصلة والمستوصلة والمتفلجات للحسن المغيرات لخلق الله- قال: وما لي لا ألعن من لعنه الله ورسوله.
قالت: لقد قرأت ما بين الدفتين -أي: القرآن كله- فما وجدت فيه.
قال: لو كنتِ قرأتيه لا بد أن تجدي ذلك فيه.
قالت: أين أجده؟ قال: أما قرأتِ قول الله عز وجل: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} [الحشر:7]؟ قالت: بلى.
قال: إني سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (لعن الله الواصلة والمستوصلة) الواصلة: هي التي تصل الشعر.
والمستوصلة: هي الطالبة لذلك.
قال: (والواشمة والمستوشمة) وهي التي تضع الكحل الأخضر تحت جلدها من أجل أن يظهر في وسط بياضها الشاهق لون مخالف أخضر، وهو ل