قال: (وأجمعوا على أنه لا يقتل بشربها).
إجماع أهل العلم على أن شارب الخمر لا يقتل بشربها لكنه يحد، كما قال تعالى: {النَّفْسَ بِالنَّفْسِ} [المائدة:45] فالثيب الزاني يرجم حتى الموت، والتارك لدينه المفارق للجماعة يرجم حتى الموت، أما شارب الخمر فإنه يحد أربعين.
وهذا الراجح وهو الأحوط.
وما زاد على ذلك فهو راجع إلى اجتهاد الإمام، إن شاء زاد من باب التعزير لا من باب الحد، وإن شاء توقف عند الحد الوارد عن النبي صلى الله عليه وسلم وهو أربعون جلدة.
والإجماع المنعقد على أن شارب الخمر لا يقتل بها يرد على الحديث الذي عند أحمد وغيره: (من شرب الخمر فاجلدوه، فإن عاد فاجلدوه، فإن عاد فاجلدوه، فإن عاد - في الرابعة - فاقتلوه).
وإجماع المحدثين على أن هذا الحديث صحيح، ولكن الإجماع منعقد على أن هذا الحديث منسوخ.
وذهب الشيخ أحمد شاكر رحمه الله إلى عدم ثبوت النسخ في حق هذا الحديث، وأن الحديث محكم غير منسوخ، وأن من شرب الخمر ثم حد، ثم رجع فحد، ثم عاد فحد، ثم شرب الخمر الرابعة فليقتل حينئذ، والمسألة محل نزاع.
قال: (وأجمعوا على أنه لا يقتل بشربها وإن تكرر منه).
هكذا حكى الإجماع فيه الإمام الترمذي وخلائق.
وحكى القاضي عياض رحمه الله تعالى عن طائفة شاذة أنهم قالوا: يقتل بعد جلده أربع مرات).
يعني: إذا جلد في الخمر أربع مرات يقتل في الخامسة.
قال: (للحديث الوارد في ذلك).
وهذا القول باطل مخالف لإجماع الصحابة ومن بعدهم على أنه لا يقتل وإن تكرر منه أكثر من أربع مرات.
فـ الوليد بن عقبة كان يشرب الخمر كل يوم حتى ضجر الناس منه، وذهبوا إلى عبد الله بن مسعود رضي الله عنه يقولون: يا أبا عبد الرحمن! ألا تنصح صاحبك في أخيه؟ يعني: لماذا لا تكلم عثمان بن عفان في موضوع أخيه هذا، يخلصنا منه ويريحنا منه.
قال: ما لنا فيه بد، ما رأينا شيئاً وإنما الناس بظواهرهم، فإذا بدا لنا منه شيء أخذناه به، وقد نهانا الله عن التجسس.
فأبى رضي الله عنه.
ولما حملوا أبا عبد الرحمن على نصيحة عثمان في أخيه قال: أتظنون أنا لا ننصحه سراً؟ والله ما كنا لننصح الأمير علناً قط، وقد بذلنا له النصيحة غير مرة سراً.
فنصح الأمراء والوجهاء وذوي الهيئات لا يتم علناً، وإنما يتم سراً؛ حفاظاً على وجاهتهم ومكانتهم خلافاً لسائر الناس.
قال: (وهذا الحديث منسوخ.
قال جماعة: دل الإجماع على نسخه).
يعني: هذا منسوخ بدلالة الإجماع لا بنص ناسخ له.
يعني: أجمعت الأمة كلها، فإننا لم نسمع في زمن من الأزمنة من لدن النبي عليه الصلاة والسلام حتى يومنا هذا أن واحداً شرب الخمر أربع مرات فقتلوه في الخامسة، وهذا يشعر بإجماع الأمة على أن شارب الخمر لا يقتل بشربه إنما يحد فقط.
قال: (وقال بعضهم: نسخه قوله صلى الله عليه وسلم: (لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث: النفس بالنفس، والثيب الزاني، والتارك لدينه المفارق للجماعة)).