لا يلزم من وجود السبب وجود المسبب

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لن يدخل أحدٌ الجنة بعمله) أي: لا يستحق الجنة بمجرد العمل، والعمل سبب، والسبب قد يتخلف، ولكن فضل الله تبارك وتعالى هو الذي يعم عباده، والإنسان الذي يضع البذرة في الأرض لا يلزم من ذلك أن تنبت هذه البذرة، وربما تموت، والذي يميتها هو الله عز وجل، وربما تحيا، والذي يحييها هو الله عز وجل، فوضع البذرة في الأرض سبب في الإنبات والثمر، وليس وحده بكاف في وجود الثمر، لماذا؟ لأن الله تعالى إذا أراد أن يرزق عبده الثمر بغير بذر لفعل ذلك، فهو على كل شيء قدير سبحانه وتعالى.

ولو أراد الله تعالى أن يرزقك الولد من غير زواج لفعل؛ لأنه على كل شيء قدير، ولو أراد الله تبارك وتعالى أن يشبعك بغير طعام، وأن يرويك بغير شراب لفعل، فهو مريد لذلك، وقادر عليه سبحانه وتعالى.

ولذلك أحياناً الإنسان قد يأكل ولا يشبع، وقد يشرب الماء ولا يرتوي، وقد يرتوي ثم هو سرعان ما يشعر بأنه قد عطش مرة أخرى.

إذاً: فالسبب قد يتخلف، فشخص يذاكر طوال السنة لأجل أن ينجح، لكن لا يلزم أن ينجح، مع أنه هنا قد حصل سبب النجاح والتفوق، فقد يمرض في ليلة من ليالي الامتحان، فيتخلف عن الامتحان، أو يذهب إلى الامتحان ولم يفتح عليه.

وكذلك الإنجاب يحتاج إلى نكاح، ويحتاج إلى رجل وامرأة، ومع ذلك فالله تبارك وتعالى خلق آدم بلا أب ولا أم، وخلق حواء من غير امرأة، خلقها من ضلع آدم.

وكذلك خلق الله تعالى عيسى من امرأة بغير نكاح ولا رجل، مع أن الأسباب لا بد منها، لكن ذلك ليس بلازم في قدرة الله عز وجل، فلا يدخل أحدنا عمله الجنة، وإنما العمل سبب لدخول الجنة.

وعند الحاكم (أن رجلاً عبد الله خمسمائة سنة، فلما جيء به بين يدي الله قال: ادخلوا عبدي الجنة برحمتي، قال: بل بعملي يا رب!).

فلما حصلت الموازنة بين نعمة الله عليه، وبين عبادته، وضعوا نعمة البصر فقط في كفة، والعبادة كلها في كفة ثانية؛ طاشت هذه العبادة، وغلبتها وثقلت بها نعمة واحدة من نعم الله وهي نعمة البصر، ثم إن الذي قوى ذلك على العبادة هو الله عز وجل، فلا منة على الله، {يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُلْ لا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلامَكُمْ بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلإِيمَانِ إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ} [الحجرات:17].

طور بواسطة نورين ميديا © 2015