قال: [باب قوله تعالى: {كَلَّا إِنَّ الإِنسَانَ لَيَطْغَى * أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى} [العلق:6 - 7].
حدثنا عبيد الله بن معاذ -أي: العنبري - ومحمد بن عبد الله القيسي قال: حدثني المعتمر -هو: ابن سليمان بن طرخان التيمي - عن أبيه قال: حدثني نعيم بن أبي هند عن أبي حازم -وهو: سلمان مولى عزة - عن أبو هريرة رضي الله عنه قال: قال أبو جهل: (هل يعفر محمد وجهه بين أظهركم؟)].
أبو جهل يخاطب صناديد قريش: هل تتصورون أن محمداً يعفر جبهته أمامكم وبين أظهركم، أي: بالسجود لله عز وجل، وأنتم تنظرون إليه؟ [(قالوا: نعم، يفعل ذلك، فقال أبو جهل: واللات والعزى -يحلف بآلهته التي يعبدها من دون الله عز وجل- لئن رأيته يفعل ذلك لأطأن على رقبته)].
أي: لأدوسن على رأسه، أو لأعفرن وجهه بالتراب، يعني: يأتي إليه وهو ساجد ويمرغه في التراب، عليه لعنة الله.
فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يصلي، فلما رآه ساجداً لله عز وجل في حجر الكعبة ذهب ليطأ على رقبة النبي عليه الصلاة والسلام، وصناديد الكفر والشرك ينظرون إلى أبي جهل ماذا سيصنع به؟ وما هو موقف محمد عليه الصلاة والسلام من هذا؟ قال: فما فجأهم إلا وهو ينكص على عقبيه، ويتقي بيديه، أي: فما لبثوا أن رأوا أبا جهل إلا وهو يرجع القهقرى مسرعاً خائفاً مرتعباً مرعوباً يتقي بيديه، كأن واحداً يضربه، وهو يتقي الضرب بيديه، يدفعه مرة عن رأسه، ومرة عن وجهه، ومرة عن بدنه وغير ذلك، وهم لا يرون أحداً، ولا يرون شيئاً، وإنما الذي رأى ذلك هو أبو جهل.
فقيل له: ما لك يا أبا الحكم، فقال: إن بيني وبينه لخندقاً من نار، وهولاً وأجنحة.
أي: حال بيني وبينه خندق من نار، وأجنحة الملائكة، وهذا مصداق قول الله تعالى لنبيه: {وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ} [المائدة:67]، فالنبي عليه الصلاة والسلام معصوم.
فقال النبي عليه الصلاة والسلام لأصحابه: [(لو دنا مني -أي: لو اقترب مني أبو جهل - لتخطفته الملائكة عضواً عضواً)] أي: لقطعته الملائكة عضواً عضواً، حتى يكون آخر ما ينزع منه الروح.
[فأنزل الله عز وجل: {أَرَأَيْتَ الَّذِي يَنْهَى * عَبْدًا إِذَا صَلَّى} [العلق:9 - 10]].
وقوله تعالى: {كَلَّا إِنَّ الإِنسَانَ لَيَطْغَى} [العلق:6] ولم يقل: (إن الكافر ليطغى) وإنما قال: (إن الإنسان) إشارة إلى أن الطغيان يقع من الكافر، ويقع من المسلم كذلك.
والمسلم لو زادت عليه النعمة طغى إن لم يحذر، ويعلم أنها استدراج من الله عز وجل، فإذا لم يكن عنده يقين بذلك فلابد أنه سينحرف، والنبي عليه الصلاة والسلام معصوم من ذلك كله، وما دونه ليست له هذه العصمة.
وأصحاب الجرائد في كل حين يخرجون علينا بأخبار يريدون أن يلصقوا التهم بأبناء الصحوة، وهيهات هيهات أن يكون ذلك، فمما يذكرون موضعها الزواج والطلاق، والمعلوم أنه كما أن للمرأة عدة، فكذلك الرجل له عدة، وعدة الرجل في حالتين: الحالة الأولى: لو أنه تزوج أربعاً من النسوة، وأراد أن يتزوج الخامسة ليس له ذلك إلا أن يطلق إحداهن، فإذا طلقها لا يحل له أن يعقد على خامسة إلا أن تنقضي عدة الرابعة التي طلقها، لأن هذه المطلقة الرابعة لا تزال زوجته، فله أن يرجعها في فترة العدة، ولذلك سماه الشرع طلاقاً رجعياً، أي: من حق الرجل أن يراجع امرأته إذا طلقها المرة الأولى، أو الثانية في مدة العدة، وهي ثلاثة قروء بغير إذنها وبغير إذن وليها؛ مما يدل على أن هذه المرأة محبوسة في هذا الرجل، فالمرأة في مدة العدة لا تزال زوجة لهذا الرجل حتى يطلق الثالثة، فإذا طلق الثالثة بانت منه بينونة كبرى، فتعتد هي بنفسها، وليست عليه عدة حينئذ.
الحالة الثانية: الرجل إذا تزوج امرأة فماتت هذه المرأة، فله أن يتزوج أختها أو عمتها أو خالتها فوراً، لكن إذا طلقها طلاقاً رجعياً ليس له أن يتزوج أختها أو عمتها أو خالتها في فترة العدة؛ لأن النبي عليه الصلاة والسلام نهى عن الجمع بين المرأة وعمتها، أو خالتها أو أختها.
وسيد رجاء ما كان يراعي هذا، ولقد نصح مرة واثنين وثلاث، ولكن لما كثر الإنكار عليه ما كان يأذن لأحد قط يعلم أنه داخل إليه لنصيحته، ولإيقافه عند حده.
ومن السنن الكونية لمن يعرض عن شرع الله يسلط الله تبارك وتعالى عليه أسافل الخلق، فـ السيد رجاء لا ينسب إلينا، فليس منا ولسنا منه، وأيام أن كنت موظفاً في شركة الريان أتى سيد رجاء إلى الشركة في أواخر أيامها لما هددت وحوربت، وأخبر أن ضابط الأمن قال له: يا سيد أنت دورك آت،