قال: [حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وزهير بن حرب وأحمد بن عبدة الضبي واللفظ للأول -أي: لـ أبي بكر بن أبي شيبة - قال ابن عبدة - وهو أحمد -: أخبرنا، وقال الآخران: حدثنا سفيان بن عيينة عن عمرو -إذا حدث سفيان بن عيينة عن عمرو فإنما هو عمرو بن دينار المكي - أنه سمع جابراً يقول: (أتى النبي صلى الله عليه وسلم قبر عبد الله بن أبي فأخرجه من قبره، فوضعه على ركبتيه، ونفث عليه من ريقه، وألبسه قميصه، ثم قال: الله أعلم)].
إما أن يكون قوله: (الله أعلم) من قول مسلم، أو من قول جابر بن عبد الله الأنصاري.
وهذا الحديث صحيح، وإن رده كثير من المؤمنين من جهة العاطفة، بمعنى أنهم ما كانوا يتمنون أن يفعل النبي صلى الله عليه وسلم بهذا الكافر المنافق شيئاً من ذلك، وهذا يدل على عظيم رحمة النبي عليه الصلاة والسلام، وإن كان عبد الله بن أبي في الآخرة لا يرحم، ولا يرحم في قبره كذلك، لكن هذا العمل انطوى على حكمة عظيمة جداً في الدعوة إلى الله عز وجل، ولذلك ذهب النبي عليه الصلاة والسلام إلى قبر عبد الله بن أبي بن سلول وقد أعلمه الله أنه من المنافقين، فأخرجه من قبره -أي: بعد أن دفن، في اليوم الذي دفن فيه- ثم وضعه على ركبتيه -أي: في حجر النبي عليه الصلاة والسلام- ونفث عليه من ريقه الشريف، وألبسه قميصه صلى الله عليه وسلم، وأنتم تعلمون استحباب التبرك بآثار النبي عليه الصلاة والسلام، ولا خلاف بين أهل العلم في ذلك.
وكون أحد يلبس لباس النبي عليه الصلاة والسلام، أو يأخذ عصاه، أو شيئاً من آثاره كشعره أو ظفره، أو غير ذلك مما يتعلق به ويختص به عليه الصلاة والسلام؛ هذا شرف عظيم جداً، ولكن القضية: أن النبي عليه الصلاة والسلام إنما فعل ذلك بهذا المنافق؛ وهو يعلم أنه منافق؛ إكراماً لابنه عبد الله بن عبد الله بن أبي ابن سلول وكان رجلاً صالحاً، ففعل النبي عليه الصلاة والسلام ذلك إكراماً لولده، لا إكراماً له، هذا رأي.
الرأي الثاني: أن الذي طلب منه ذلك هو عبد الله بن عبد الله بن أبي ابن سلول، فما أراد النبي عليه الصلاة والسلام أن يدخل الحزونة على قلب عبد الله بن عبد الله بن أبي برد طلبه، فأراد أن يكافئه على حسن إسلامه وصحبته.
الثالث: أن النبي عليه الصلاة والسلام إنما ألبس عبد الله بن أبي ابن سلول قميصه؛ لأنه كان قد ألبس العباس عم النبي عليه الصلاة والسلام قميصاً له، وكان العباس في حاجة إليه، فأراد النبي عليه الصلاة والسلام أن يكافئه في الدنيا حتى لا يبقى له في الآخرة شيء، وهذا وجه عظيم جداً من وجوه التأويل.
قال: [حدثنا أحمد بن يوسف الأزدي حدثنا عبد الرزاق - وهو ابن همام الصنعاني - أخبرنا ابن جريج وعبد الملك بن عبد العزيز الأموي أخبرني عمرو بن دينار قال: سمعت جابر بن عبد الله يقول: (جاء النبي صلى الله عليه وسلم إلى عبد الله بن أبي بعدما أدخل حفرته) فذكر بمثل حديث سفيان بن عيينة السابق.
وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا أبو أسامة -وهو حماد بن أسامة - قال: حدثنا عبيد الله بن عمر -وهو العمري الإمام الكبير، أحد الفقهاء السبعة بالمدينة- عن نافع الفقيه - مولى ابن عمر - عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: (لما توفي عبد الله بن أبي ابن سلول) وكان حقه أن يكسر ابن سلول لأنه معطوف، وإنما ضم ابن سلول لأن أمه اسمها: سلول، ولم يكن جده بهذا الاسم، ولذلك ضم ابن قبل الاسم- جاء ابنه -أي: عبد الله بن عبد الله - إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فسأله أن يعطيه قميصه يكفن فيه أباه، فأعطاه، ثم سأله أن يصلي عليه، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم ليصلي عليه، فقام عمر فأخذ بثوب رسول الله صلى الله عليه وسلم)] يعني: يجذبه إليه، ويمنعه وينهاه أن يصلي على هذا المنافق، وهذا يدل على اشتهار نفاق هذا بين الأصحاب.
[فقال: (يا رسول الله، أتصلي عليه وقد نهاك الله أن تصلي عليه؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنما خيرني الله فقال: {اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ} [التوبة:80] ثم ق