والنبي عليه الصلاة والسلام أثبت معالم وصفات المنافقين في هذا النص، فلنأخذ من ذلك قول عبد الله بن أبي كما حكى الله عنه: {لا تُنْفِقُوا عَلَى مَنْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ حَتَّى يَنْفَضُّوا} [المنافقون:7] أي: من حوله.
فهذه أول صفة من صفاتهم: أنهم يظهرون الود لأهل الإسلام، ويخفون العداوة، ولذلك قال عليه الصلاة والسلام: (هم حرب على أهل الإسلام، سلم لأعدائه).
يعني: يسالمون أعداء الإسلام، ويودونهم ويوالونهم، لكنهم على أهل الإسلام وأبناء الإسلام حرب وعداوة قوية، فلا تكاد تمر بهم فتنة إلا وجروها إلى المسلمين.
الأمر الثاني: أنهم أحياناً يصرحون بذلك، كما صرح هذا المنافق بقوله: {لَئِنْ رَجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الأَعَزُّ مِنْهَا الأَذَلَّ} [المنافقون:8].
فهم يتصورون باجتماعهم أنهم قوة لا يستهان بها، وأنهم لا يغلبون من قلة، وقد بين الله عز وجل هزيمتهم النفسية فقال: {تَحْسَبُهُمْ جَمِيعًا وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى} [الحشر:14]؛ لأن القلب الذي اجتمع إلى شكله ومثله إن لم يكن هذا الاجتماع على الحب في الله، والموالاة فيه، والمعاداة لغيره، لا يمكن أبداً أن يتم الائتلاف، وإن وقع للحظات أو لأيام فإنه لا يستمر؛ لأنه ليس لله، وما كان لله دام واتصل، وما كان لغيره لابد أن ينقطع وينفصل.
وهكذا المنافقون؛ فإنهم يتهمون أهل الإيمان بما عندهم من صفات وأخلاق، ويأتون بما عندهم من كذب وسحت في آبارهم فينضحون به على أهل الإسلام، ولذلك قال عبد الله بن أبي: (كذب زيد رسول الله صلى الله عليه وسلم)، ولم يكن هكذا، فـ زيد بن أرقم رضي الله عنه لم ينقل إلى النبي عليه الصلاة والسلام إلا ما كان حقيقة من عبد الله بن أبي ابن سلول لا يعلمه من قبل، والله عز وجل أخبره بالمنافقين جميعاً.