متابعة شعبة لأبي عوانة

بقي في هذا الإسناد شيءٌ وهو أن أبا عوانة لم يتفرد بهذا الحديث، فتابَعَه شعبة بن الحجاج أبو بسطام الضخم، الذي يحدث عن الضخام، فـ شعبة هذا لو عرفته تحبه جداً، هو وسفيان الثوري.

المعذرة! فأنا لما أتكلم عن العلماء أتكلم كلام محب لهم؛ لأن حياتي معهم، أنا أقضي مع هؤلاء أكثر مما أقضي مع أولادي وأهلي، فأنا أحياناً أقضي مع هؤلاء أربع عشرة ساعة في اليوم، أقرأ في تراجمهم وسيرهم، وأبحث عن أخبارهم، وأتتبع رواياتهم، حتى صار عندي شغف بالغ، فبمجرد أن يمر علي اسم الواحد من هؤلاء أشعر بالأنس مباشرة، فمثلاً: شعبة، أو سفيان، أو أبو عوانة، أو سفيان بن عيينة، أو حماد بن زيد، أو حماد بن سلمة، كل هؤلاء أشعر بأنس معهم، كأنهم أهلي.

فـ شعبة بن الحجاج أبو بسطام رحمة الله عليه روى هذا الحديث عن أبي بشر جعفر بن إياس، عن يوسف بن ماهك، عن عبد الله بن عمرو.

وقد أخرج هذه المتابعة الإمام أحمد بن حنبل، قال: حدثنا محمد بن جعفر الملقب بـ غُنْدَر، وأول ما ترى اسم غُنْدَر في الإسناد فهو محمد بن جعفر، وغُنْدَر من الألقاب التي يصلح أن توضع كمثال على الألفاظ، ونحن نتكلم عن الرجولة، ومحمد بن جعفر، الذي لقبه بـ غندر هو ابن جريج عبد الملك بن عبد العزيز، فقد كان محمد بن جعفر يعمل (دوشةً) وضوضاء دائماً، فكان يقول له: اسكت يا غندر، (غُنْدَر) بلغة أهل الحجاز أي المشاغب، فأهل الحديث كانوا ينادونه بهذا اللقب مباشرةً، مثل صالح جزرة، فـ صالح هذا لا يوجد مثله في الحفظ والإتقان؛ لكنه معروف بلقبه جزرة؛ لماذا؟ لأنه مرةً كان أحد شيوخه يحدث بحديث الخرزة، ثم قال لهم: أين وقفنا؟ فـ صالح صحَّفها فبدل أن يقول: خرزة قال: جزرة، فضج المجلس بالضحك، وصار من يومها جزرة، وتلقفوها، فعندما يقال: حدثنا جزرة فاعرف أنه صالح مباشرة.

فـ غندرمحمد بن جعفر روى هذا الحديث عن شعبة، وغُنْدَر هذا لازم شعبة عشرين سنة، فهنيئاً لشخص يقعد مع شعبة عشرين سنة! وثابت بن أسلم البناني لازم أنس بن مالك أربعين سنة، وحامد بن يحيى البلخي أفنى عمره في مجالسة ابن عيينة، والإمام مسلم لزم البخاري خمس سنوات.

فالإمام أحمد روى هذه المتابعة في مسنده عن شعبة بن الحجاج، عن أبي بشر جعفر بن إياس، عن يوسف بن ماهك، عن عبد الله بن عمرو فقال الإمام أحمد: حدثنا محمد بن جعفر غندر قال: حدثنا شعبة وساق هذا الإسناد.

ورواه أيضاً النضر بن شميل إمام العربية، وإمام الحديث، قال: حدثنا شعبة، وساق هذا الإسناد أيضاً.

وهذه المتابعة أخرجها أبو عوانة في مستخرجه على مسلم، وأظن أنها معلقة، وأرجو أن لا أكون واهماً؛ لأني عندما أقول: أخرجه أبو عوانة المفروض أن يكون بسنده المتصل، فكأن الذي في ذهني أن أبا عوانة أخرجها معلقةً في مستخرجه على مسلم.

بقي طريقٌ آخر وهو طريق أبي يحيى واسمه الإصبع، عن عبد الله بن عمرو بن العاص، ويروي هذا الحديث هلال بن يسار، عن أبي يحيى، عن عبد الله بن عمرو بن العاص، وقد أخرج هذه الرواية الإمام مسلم في صحيحه، وكذلك أخرجها أبو داود والنسائي وابن ماجة والدارمي وأحمد وابن خزيمة والطحاوي في معاني الآثار، وآخرون، كلهم من طرقٍ عن هلال بن يسار، عن أبي يحيى المعرقد واسمه: الإصبع، عن عبد الله بن عمرو بن العاص (أن النبي صلى الله عليه وسلم أدرك أصحابه يتوضئون وأعقابهم تلوح.

فقال: ويل للأعقاب من النار، اسبغوا الوضوء) .

طور بواسطة نورين ميديا © 2015