في الباب الثالث قال الإمام البخاري رحمه الله: باب من رفع صوته بالعلم.
انظر إلى ذكاء الإمام البخاري وفقهه في التبويب، فأول باب قال: باب فضل العلم، والباب الثاني قال: باب من سئل علماً وهو مشتغل بالحديث فأتم الحديث ثم أجاب السائل، والباب الثالث قال: من رفع صوته بالعلم.
أول باب فضل العلم، عندما علمت فضل العلم والعلماء، تاقت نفسك أن تكون من هؤلاء، فبدأت تأخذ خطواتك الأولى لطلب العلم، فقال لك الإمام: قف، فإنه قبل أن تطلب العلم لا بد أن تتأدب بآداب طالب العلم حتى تستفيد منه، فإن الأصل ليس تحصيل المسائل إنما هو العمل بالعلم، فذكر طرفاً من الآداب التي ينبغي أن يتحلى بها طالب العلم، كما ذكرناه في المجالس الماضية، فأنت عندما تكون قد تأدبت بآداب طالب العلم، وتعلمت العلم، فلابد عليك من تبليغ العلم، وهذا هو معنى قول الإمام: باب من رفع صوته بالعلم؛ لأن رفع الصوت مظنة وصوله إلى أكبر عدد، فالرفع هنا معناه: الانتشار، معناه: التعليم، وليس معناه: أن ترفع صوتك فقط، إنما قصد الإمام البخاري تبليغ العلم، والتبليغ يكون عن طريق رفع الصوت.
قال الإمام البخاري رحمه الله: حدثنا أبو النعمان عارم بن الفضل، قال: حدثنا أبو عوانة، عن أبي بشر، عن يوسف بن ماهك، عن عبد الله بن عمرو قال: (تخلف النبي صلى الله عليه وسلم في سفرة سافرناها، فأدركنا وقد أرهقتنا الصلاة ونحن نتوضأ، فجعلنا نمسح على أرجلنا، فنادى بأعلى صوته: ويل للأعقاب من النار.
مرتين أو ثلاثاً) .
الإمام البخاري روى هذا الحديث مرتين في كتاب العلم في هذا الباب، وفي باب من كرر القول ثلاثاً ليفهم، ورواه مرة في كتاب الوضوء، باب غسل القدمين ولا يكتفى بالمسح.
فرواه هنا عن شيخه أبي النعمان عارم بن الفضل، ورواه في كتاب العلم أيضاً عن شيخه مسدد بن مسرهد، ورواه في كتاب الوضوء عن شيخه أبي سلمة التبوذكي، ثلاثتهم قال: حدثنا أبو عوانة، واسمه: وضاح بن عبد الله اليشكري، عن أبي بشر، واسمه: جعفر بن إياس، عن يوسف بن ماهك، عن عبد الله بن عمرو بن العاص.
أول ما أذكره في هذا الإسناد هو قوله: حدثنا أبو النعمان عارم بن الفضل: وعارم هذا لقب لشيخ البخاري، واسمه: محمد بن الفضل السدوسي وكنيته أبو النعمان، ولقبه وعارم، وعارم: من العرامة، أي: الشدة والصلابة والشراسة، وكان محمد بن يحيى الذهلي شيخ البخاري إذا حدث عن محمد بن الفضل يقول: حدثنا عارم وكان بعيداً من العرامة.