أحد المشايخ صنف كتاباً -وكان آخر كتاب صنفه غفر الله له- وهو: السنة النبوية بين أهل الفقه وأهل الحديث، جنى فيه على السنة جناية كبيرة وأخطأ، ولو قلت: كذب لما جاوزت الحقيقة؛ لأن الكتاب طبع قرابة خمسة عشر مرة في حياته -وأنا اطلعت على الطبعة الرابعة عشرة- فما تراجع عن حرف واحد، رغم أنه ظهر سبعة عشر رداً على كتابه؛ لأن فيه الكثير من الكذب على أئمة الفتوى.
مثلاً: مسالة دية المرأة على النصف من دية الرجل، فيقول معترضاً: من الذي جعل دم المرأة أرخص من دم الرجل؟! بل دية المرأة مثل دية الرجل، فنقول: إن الذي جعل ميراثها مثل نصف ميراث الرجل، وشهادتها نصف شهادة الرجل، هو الذي جعل دمها على النصف من دم الرجل، لاسيما وقد ورد الحديث والإجماع، وقال: إن القول بأن دية المرأة نصف دية الرجل كذب على الفقهاء، فالجماعة الذين ردوا عليه نقلوا له من كتب أهل العلم من كتاب: الأم للشافعي، والمغني لـ ابن قدامة، ونقلوا له من: السنن الكبرى للبيهقي، ونقلوا له من كتاب: التمهيد لـ ابن عبد البر، ومن كتاب: الإجماع لـ ابن المنذر، ومن كتاب: مراتب الإجماع لـ ابن حزم، نقلوا إجماع الأمة، وأنه لم يخالف في هذا إلا رجلان فقط من المعتزلة وهما: الأصم وابن علية، وهذا كلام ابن قدامة في المغني.
أظن أن هذا كان كافياً لكي يرجع عن قوله في الطبعة الثانية، أو الثالثة، أو الرابعة، أو العاشرة.
لكن لم يرجع وبقي الكلام كما هو، إذاً: المسألة ليست مسألة دليل، وليست مسألة تأصيل علمي، إنما المسألة مسألة انتصار لرأي خطير، وانتقاص لجانب الفقهاء.
يقول في رد الروايات: إن رد الروايات لا يخضع للإسناد، وهذا على خلاف اتفاق أهل العلم جميعاً، في أن الحديث إنما يحكم عليه صحة وضعفاً أولاً بالنظر إلى سنده، إنما الذي إذا سمع المتن أنكره أو صححه هم أهل العلم الكبار، الذين كانوا يحفظون الآلاف من الأسانيد، إذا سمع المتن يعرف أن هذا المتن صحيح، وأن له أسانيد صحيحة، لكنه لم يذكرها، كـ أبي حاتم الرازي، وأبي زرعة الرازي، والإمام البخاري، ومسلم، وأحمد بن حنبل، ويحيى بن معين، وسفيان الثوري، وشعبة بن الحجاج وأمثال هؤلاء العلماء.
فالاعتداء على صحيح البخاري، القصد منه إهدار بقية السنة، إذا كان هذا أصح كتاب عندنا، ويأتي هؤلاء الجهلة ويخرجون منه أربعمائة حديث ويدّعون أنها موضوعة ومكذوبة، كل أحاديث الشفاعة أنكروها، لأنها تخالف قوله تعالى: {مَا لَكُمْ مِنْ دُونِهِ مِن وَلِيٍّ وَلا شَفِيعٍ} [السجدة:4] وهذا إنكار منهم أنه يوجد شفيع ودليلهم: {قُلْ لِلَّهِ الشَّفَاعَةُ جَمِيعًا} [الزمر:44] فقط! نقول: وقوله تعالى: {مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ} [البقرة:255] ، أين ذهبت؟ وقوله: {وَلا يَمْلِكُ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الشَّفَاعَةَ إِلَّا مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ} [الزخرف:86] ، فالقرآن أثبت أن هناك شفعاء بإذنه تبارك وتعالى، والنبي صلى الله عليه وسلم أخبر أنه سيشفع، وأن المؤمنين سيشفعون، وأن الرجل قد يشفع لأهل بيته، وهذا كما ورد في الأحاديث الصحيحة، فأي نكير على هذا، وهو لا يعارض القرآن.
إن ظاهرة توسيد الأمر إلى غير أهله الآن قائمة على قدم وساق، ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا وسد الأمر إلى غير أهله فانتظر الساعة) ، ينبغي علينا نحن أن نقوم بواجبنا تجاه ديننا، أين كتيبة الدفاع عن السنة؟ كان أولى الناس بالدفاع عن السنة الأساتذة الموجودين في أقسام الحديث، وفي كليات أصول الدين، أين دورهم في الرد على هؤلاء؟! لأجل هذا أيها الإخوان! أنا أهيب بكم وأدعوكم إلى دراسة علم السنة، وأن أي أحد يغار على دينه، يجب أن ينتدب نفسه للدفاع عن سنة النبي صلى الله عليه وسلم، الحراسة عندنا ضعيفة جداً، الحراس عندنا نائمون، لا يقومون بواجبهم.