في لفظة (إذا أسند الأمر ... )

يقول أبو هريرة رضي الله عنه: حتى إذا قضى حديثه قال: (أين أراه السائل عن الساعة؟) (أين أراه) هكذا على الشك، وليس: (أين السائل عن الساعة؟) وهذا الشك هو من محمد بن فليح؛ لأن كل الذين رووا هذا الحديث عن فليح بن سليمان وهم خمسة: محمد بن سنان، ومحمد بن فليح، ويونس بن محمد، وسريج بن النعمان، وعثمان بن عمر، لم يذكروا هذا الشك في روايته، بل قالو جزماً: (أين السائل عن الساعة؟) -باستثناء محمد بن فليح - ولو كان هذا الاختلاف من فليح بن سليمان لاتفقوا عليه فيه، أما وقد اختلفوا فيه؛ فنحن ننظر إذاً إلى اختلاف الرواة واختلافهم في مثل هذا.

اتفق أربعة من الرواة عن فليح بن سليمان على الجزم وترك الشك، ولم يشك فيها -في هذه اللفظة- إلا محمد بن فليح، ولذلك جعل العلماء -ومنهم الحافظ ابن حجر - الشك فيها من محمد بن فليح، قال: (حتى إذا قضى حديثه قال: أين أراه السائل عن الساعة؟ -أو أين السائل عن الساعة؟ - قال: ها أنا يا رسول الله.

قال: فإذا ضيعت الأمانة فانتظر الساعة) .

وكان رجلاً عاقلاً، فسأل سؤالاً آخر كشف الأمر وجلاه، فقال: (وكيف إضاعتها؟ قال: إذا وسد الأمر إلى غير أهله فانتظر الساعة) ، ووقع في صحيح ابن حبان: (إذا اشتد الأمر فانتظر الساعة) ، وأنا أظن أن هذا خطأ وفيه تصحيف، فلو كان (إذا اشتد الأمر) إجابة على السؤال الأول لكان له وجه: متى الساعة؟ فيقول: (إذا اشتد الأمر فانتظر الساعة) ، و (اشتد الأمر) أي: زادت الفتن، فهذا الجواب يمكن أن يكون صحيحاً، لكنه قال: (كيف إضاعتها؟) فقال: (إذا اشتد الأمر فانتظر الساعة) ، فهذا الجواب لا يكون جواباً كافياً لهذا السؤال، وكأن الكتاب وقع فيه تصحيف وخطأ، وكلمة (اشتد) هذه يكون أصلها (أُسند) ، وهي نفس الحروف مع اختلاف النقط؛ لأنه إذا أسند الأمر إلى غير أهله فوقع تصحيف فـ (أسند) صارت (أشتد) ، وسقط من الرواية (إلى غير أهله) ليتفق ذلك مع بقية الروايات.

أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم.

وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، والحمد لله رب العالمين.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015