إن الحمد لله تعالى، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهد الله تعالى فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وأحسن الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
اللهم صل على محمد وعلى آل محمد، كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد، وبارك على محمد وعلى آل محمد، كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد.
قال الإمام البخاري رحمه الله: (باب من سئل علماً وهو مشتغل في حديثه فأتم الحديث ثم أجاب السائل) حدثنا محمد بن سنان، قال: حدثنا فليح (، ح) وحدثني إبراهيم بن المنذر، قال: حدثنا محمد بن فليح، قال: حدثني أبي، قال: حدثني هلال بن علي، عن عطاء بن يسار، عن أبي هريرة قال: (بينما النبي صلى الله عليه وسلم في مجلس يحدث القوم جاءه أعرابي فقال له: متى الساعة؟ فمر رسول الله صلى الله عليه وسلم يحدث، فقال بعض القوم: سمع ما قال؛ فكره ما قال.
وقال بعضهم: بل لم يسمع.
حتى إذا قضى حديثه قال: أين أراه السائل عن الساعة؟ قال: هأنا يا رسول الله.
قال: فإذا ضيعت الأمانة فانتظر الساعة.
قال: كيف إضاعتها؟ قال: إذا وسد الأمر إلى غير أهله فانتظر الساعة) .
هذا الحديث رواه الإمام البخاري أيضاً في موضع آخر من صحيحه في كتاب الرقاق، لكنه أورده مختصراً، وأورده من طريق محمد بن سنان -بهذا الإسناد الذي ذكره في هذا الموضع- أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا ضيعت الأمانة فانتظر الساعة.
قال: وكيف إضاعتها يا رسول الله؟! قال: إذا أسند الأمر إلى غير أهله فانتظر الساعة) .
وكذلك روى هذا الحديث من أئمة الحديث: الإمام أحمد رحمه الله، قال: حدثنا يونس وسريج، قالا: حدثنا فليح.
بهذا الإسناد الذي أورده البخاري في صحيحه.
ويونس هذا هو ابن محمد المؤدب، وسريج هو ابن النعمان.
وأخرجه الحسن بن سفيان في مسنده قال: حدثنا عثمان بن أبي شيبة، قال: حدثنا يونس بن محمد، قال: حدثنا فليح وساق الحديث بهذا الإسناد.
وأخرجه أيضاً الإمام البيهقي في سننه الكبرى، في كتاب آداب القاضي، من طريق أحمد بن علي الخزاز قال: حدثنا سريج بن النعمان، قال: حدثنا فليح.
وساق هذا الإسناد.
وأخيراً رواه ابن حبان رحمه الله في صحيحه من طريق محمد بن المثنى قال: حدثنا عثمان بن عمر، قال: حدثنا فليح بن سليمان.
بهذا الإسناد الذي أورده البخاري في صحيحه.
إذاً: الرواة عن فليح بن سليمان: ابنه محمد بن فليح، ومحمد بن سنان عند البخاري، ويونس بن محمد وسريج بن النعمان عند أحمد، وعثمان بن عمر عند ابن حبان، هؤلاء خمسة يروون هذا الحديث عن فليح بن سليمان، عن هلال بن علي، عن عطاء بن يسار، عن أبي هريرة رضي الله عنه.
وللحديث ألفاظ منها: (إذا وسد الأمر إلى غير أهله) و (إذا أسند الأمر) كما في رواية محمد بن سنان، ورواية سريج بن النعمان ((إذا أسند الأمر إلى غير أهله) ، وفي مسند الإمام أحمد (إذا توسد الأمرَ غير أهله فانتظر الساعة) وهذه الألفاظ لها دلالات سنقف عليها بعد إن شاء الله.
كنا في الدرس الماضي ذكرنا أن الإمام البخاري رحمه الله عقد هذا الباب كمثال لأدب الطالب، ولما ينبغي أن يكون عليه الشيخ، وذكرنا نتفاً من الآداب التي ينبغي أن يتحلى بها طالب العلم، والتي ينبغي أن يتحلى بها الشيخ، وسنكمل بقية الآداب إن شاء الله عندما نأتي على حديث ابن عمر لما سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن الشجرة التي هي كالمؤمن ولا يسقط ورقها، قالوا: في هذا الحديث جملة وفيرة من الآداب.