(جاء عبد الله بن عمرو يلبس ثوباً أحمر، فلما رآه النبي صلى الله عليه وسلم تغير وجهه، فعلم عبد الله بن عمرو ما سبب تغير وجه النبي صلى الله عليه وسلم، فذهب إلى البيت فوجدهم يسجروا التنور فخلع ثوبه وقذفه في التنور) طالما الرسول كرهه، فلا خير فيه، انظر امتثال الصحابة لأمر النبي صلى الله عليه وسلم! وهذا ابن عمر جاءه سائل يسأله عن الغراب، هل يجوز أكل الغراب؟ قال: من يأكل الغراب وقد سماه رسول الله صلى الله عليه وسلم: فاسقاً؟ فلما قذف بهذا الثوب في التنور، ورجع بثياب أخرى، فلما أقبل؛ أقبل عليه النبي صلى الله عليه وسلم وقال: (ما فعلت بالثوب؟ قال: سجرت به التنور.
قال: فهلا أعطيته بعض أهلك) لو أنت أعطيته للمرأة فلا بأس، الثوب الأحمر الخالص يجوز للنساء أن يلبسنه.
وهناك حديث صحيح أيضاً، أظنه عن جابر بن سمرة قال: (رأيت على النبي صلى الله عليه وسلم حلة حمراء، ما رأيت أجمل منها قط) فهذا محمول على أن غالب اللون كان أحمر، وليس هو اللون الأحمر الخالص.
فكان النبي صلى الله عليه وسلم يعامل أصحابه الملازمين له غير معاملة الأعراب الذين يأتون من بعيد؛ لأنهم لم يتأدبوا ولم يعرفوا؛ فلذلك -لأنه لم تجر عادة النبي عليه الصلاة والسلام بمعاملة الأعراب- انقسم الصحابة إلى فريقين: الفريق الأول قال: لم يسمع؛ لأنه لو سمع لأقبل عليه على عادته وحسن خلقه.
والفريق الآخر قال: بل سمع، ولكن كره أن يسأل المرء عن الساعة.
وكان النبي صلى الله عليه وسلم إذا سئل عن الساعة، بحيث لو فتشت خلف هذا السؤال لتعرف من السائل لوجدت السائل أعرابياً، كل الذين قالوا: متى الساعة؟ أعراب، ولم يسأله أحد من الصحابة القريبين من النبي عليه الصلاة والسلام.
فإذا جاءك أحد وسأل هذا السؤال لا تقل له: هذا ليس من اختصاصك، لا تقل هذا الكلام، ولكن صحح له السؤال بطريقة لطيفة.
(جاءه أعرابي قال: متى الساعة؟ فقال: وما أعددت لها) انظر! إلى هذا التصحيح الجميل، والأسلوب الرائع، كأنه قال له: يعني إذا عرفت أن الساعة غداً أو بعده أو السنة القادمة، ما الذي يفيدك؟ أي: لا يفيدك إلا ما أعددته للساعة.
فصحح له السؤال.
وهذا من الآداب التي ينبغي أن يتحلى بها المفتي، عليه يتفرس في وجه السائل، عندما يسمع منه السؤال يقول له: هل تقصد كذا؟ يقول له: لا.
إذاً: هل تقصد كذا؟ يقول له: لا.
إذاً سؤالك غلط، ماذا تريد أن تقول؟ يقول: أنا أريد أن أسأل عن كذا وكذا، فيقول: إذاً السؤال يكون هكذا.
فتصحح له السؤال قبل أن تجيب.
وهذه الخصلة لا أعلم للشيخ الألباني حفظه الله نظيراً فيها، فإنه يظل ربع ساعة يصحح السؤال للسائل، حتى يعلم قصده؛ لأن المفتي طبيب وليس موظفاً يجيب فقط.
فالنبي عليه الصلاة والسلام لما يقول له الأعرابي: (متى الساعة؟ -هل السؤال هذا يفيده؟ لا.
فصرفه إلى ما يفيده- قال: وما أعددت لها؟ قال: ما أعددت لها كبير عمل إلا أنني أحب الله ورسوله.
فقال: المرء مع من أحب) .
انظر إلى الأعرابي العاقل! الذي كان أنس والصحابة يتمنونه، ومثل الأعرابي الذي سأل النبي صلى الله عليه وسلم هذا السؤال، لما قال له: (متى الساعة؟ قال: إذا ضيعت الأمانة فانتظر الساعة.
قال: وكيف إضاعتها؟ ... ) الحديث هذا يدل على أنه عاقل؛ لأن الحكم المعلل يخترق القلب أكثر من الحكم غير المعلل، كما سنوضحه إن شاء الله في موضعه.
المقصود من هذا: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعامل الأعراب معاملة، وكان يعامل أصحابه الملازمين له معاملة أخرى، ويعتبر هذا من آداب الشيوخ حيث يفرق ما بين الغريب وما بين الحضري.
أسأل الله تبارك وتعالى أن ينفعنا وإياكم بما علمنا، وأن يعلمنا ما جهلنا.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.