مرة جاء الإمام أحمد ومر على يحيى بن معين فوجده يكتب أحاديث، وكان يحيى كلما اقترب منه شخص طوى الصحيفة، فلما جاء الإمام أحمد قال: ماذا تكتب يا أبا زكريا؟ قال: أكتب صحيفة أبان عن أنس.
أبان بن أبي عياش هذا متروك الحديث، وكان شعبة من أشد المنكرين عليه، وكان يتكلم فيه كلاماً قوياً، فـ أبان بن أبي عياش لما تكلم فيه شعبة ترك الناس حديثة.
فذهب أبان إلى حماد بن زيد، فقال له: أخبر شعبة أن يترك الكلام عليّ، فوجد حماد بن زيد وهو راجع من الصلاة فوجد شعبة راكباً البغلة فمسك بخطام البغلة، وقال: يا أبا بسطام.
-هذه هي كنية شعبة: أبو بسطام، الضخم، الذي حدث عن الضخام.
الذي قال فيه: حدثنا الضخم عن الضخام - شعبة الخير أبو بسطام - قال له: يا أبا بسطام! ألا تكف عن أبان؟ قال له: لا.
ثم إن حماد بن زيد أصر على شعبة بترك الكلام في أبان، فقال له شعبة: اتركني ثلاثة أيام أستخير الله فيه.
وبعد ثلاثة أيام قابل حماد بن زيد فقال له: لا أستطيع السكوت عنه، إنه يكذب على رسول الله، ولم يسكت عنه رحمه الله.
المهم أن أبان بن أبي عياش هذا له صحيفة عن أنس كلها خاطئة، وكل الأحاديث التي فيها مضروب عليها، وقديماً كان النساخون يدخلون الحروف في بعضها، ولم يكن عندهم وقت لكي يفصلوا بين الكلمات، فهم يكتبون الكلام متشابكاً مع الذي قبله، ولا يعرف هذا إلاّ الذي عانى المخطوطات وعالجها، بالذات العلماء القدامى.
فـ ثابت وأبان الإثنان عند كتابة القدامى يشبه بعضهم بعضاً فحصل الالتباس عند البعض، أما ثابت عن أنس - ثابت بن أسلم البناني - فإن ثابتاً من ألمع الرواة عن أنس، وهو ثقة ثبت حافظ جليل القدر، لازم أنساً أربعين سنة، فعندما يأتي حديث ثابت عن أنس فهو صحيح.
أما حديث أبان عن أنس فقد مر أنه مضروب عليه، فجعل أبان مكان ثابت أدى إلى خلط واعتقاد أن أحاديث أبان صحيحة ولذلك قام ابن معين وحفظ صحيفة أبان كلها، فإذا جاء رجل فحرف أبان واستبدلها بـ ثابت، وحاول أن يمرر علينا الحديث، نقول له: كذبت، بل هذا عن أبان، عن أنس، وليس عن ثابت، عن أنس.
والعجب أنهم كانوا يحفظون حتى المتن؛ ليدافعوا عن حديث النبي عليه الصلاة والسلام، فلهم في ذلك أعاجيب! فقد أفنوا أعمارهم في وضع كتب وقواعد هذا العلم، فجزاهم الله عنا خير الجزاء.