استماع النبي صلى الله عليه وسلم لرؤيا الصحابة وتفسيره لها

وابن عمر نفسه سعى لمثلها، كما عند البخاري وغيره عن ابن عمر قال: (كنت شاباً عزباً أبيت في المسجد على عهد النبي صلى الله عليه وسلم، فكان الناس يرون رؤى فيقصونها على النبي صلى الله عليه وسلم، فيؤولها لهم) ، وكما حصل لـ عبد الله بن سلام، قال قيس بن عباد: (كنت في حلقة فيها سعد بن مالك وابن عمر، فمر عبد الله بن سلام فقالوا: هذا رجل من أهل الجنة، فقلت له: إنهم قالوا كذا وكذا، فقال: سبحان الله! ما كان ينبغي لهم أن يقولوا ما ليس لهم به علم، إنما رأيت كأنما عمود وضع في روضة خضراء، فنصب فيها وفي رأسها عروة، وفي أسفلها منصف -والمنصف الرصيف- فقيل: ارقه، فرقيت حتى أخذت بالعروة، فقصصتها على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يموت عبد الله وهو آخذ بالعروة الوثقى ... ) .

فهي بشارة عظيمة، ولما رأى نفسه على فسطاط (خيمة) في مكان مزروع أو نحوه، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: (أنت تموت على الإسلام) ، فيا لها من بشارة من النبي عليه الصلاة والسلام يقولها لـ عبد الله بن سلام! وانظر إلى ورع الصحابة وخوفهم، فرغم أنه قال له: (أنت على الإسلام حتى تموت) ، إلا أنه كان خائفاً جداً أن لا يدخل الجنة، فقد كان عبد الله بن سلام غنياً، وكان عنده أعبد، أي: خدم كثير، فرأوه مرةً في السوق يحمل شيئاً على كتفه، فقالوا له: أنت لديك خدم كثير وأعبد، فلماذا تحمل هكذا؟ قال: إني سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرةٍ من كبر) ، فكأنه وجد في نفسه شيئاً، فقام يحمل على ظهره.

إذاً: نحن محتاجون ما بين الفينة والأخرى أن نفعل كما فعل هذا الصحابي الجليل، وأن نتواضع، فـ عبد الله بن سلام عندما حدّث نفسه بشيء قام وحمل الكيس على أكتافه، مع أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: (أنت تموت على الإسلام) .

وكان عبد الله بن عمر يسمع مثل هذه الشهادات النبوية ويتمنى أن تكون هناك له بشارة.

ففي يوم من الأيام قال: لو كان فيَّ خير لرأيت رؤيا، فنام في تلك الليلة ورأى رؤيا، لكنها مزعجة، رأى أن ملكين يأخذانه إلى النار، وسحباه وأوقفاه على شفير النار، قال: فإذا هي مطويةٌ كالبئر، وفيها أناس عرفتهم معلقون من أرجلهم، فجعلت أقول: أعوذ بالله من النار، أعوذ بالله من النار، فجاء ملكٌ فأخذني منهما وقال: لم ترع -أي لا تخف-.

فاستيقظ عند هذا القدر من الرؤيا، فاستحيا أن يقصها على النبي صلى الله عليه وسلم، فقصها على أخته حفصة أم المؤمنين رضي الله عنها، فقصتها حفصة على النبي عليه الصلاة والسلام، فقال عليه الصلاة والسلام: (عبد الله رجل صالح) ، جاءه ما يريد، وفي اللفظ الآخر قال: (نعم الرجل عبد الله لو كان يقوم من الليل) ، فكان عبد الله لا ينام من الليل إلا قليلاً.

مع أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لو كان يقوم من الليل) ، يعني: أي قدر من الليل يقومه.

فلا تحرم نفسك أن تظفر بأجر القائمين ولو بركعتين ولو بالمعوذتين، وقد يتعذّر شخص ويقول: إن قيام الليل طويل، وأنا عندي عمل، وأستيقظ في الصباح مبكراً.

لا يا أخي!! لا تحرم نفسك، وقد تخسر العون الإلهي.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015