من أجل جيل يسعى إلى التمكين

إن جيل التمكين يدور على ثلاثة أركان: الأب، والأم، والولد.

وسنذكر مواصفات الأب الذي يمكن أن ينشئ ولداً محترماً، والأم التي تنجب ولداً محترماً، والولد المحترم هذا له مواصفات.

فمن ضمن الأمور التي أتكلم عنها: استشارة إبراهيم عليه السلام لولده، فهذا خلق من الأخلاق التي ينبغي أن يربي الأبُ ابنه عليها، وهو أن يستشيره وهو صغير، (يعامله معاملة الكبار) ، لا أنه مجرد أن يأتي ليتكلم يقول له: اسكت أنت صغير ولا تفهم شيئاً، بهذا يظل ابنك لا يفهم شيئاً حتى ينهي الجامعة، وما زال لا يفهم شيئاً، فيكون الولد هذا ليس لديه ثقة في نفسه، لأنه لا يعرف من أبيه إلا أنه لا يفهم شيئاً، فهو قد يحصل له أزمة وانتكاسة في أنه فعلاً لا يفهم شيئاً.

يا أخي! اجعل منه كبيراً، هذا ابنك، إذا أصاب لا بد أنك تشيد به وتقول له: أحسنت يا ولدي لقد أصبت، وإذا أخطأ تقول له: أنت لو كنت عملت هكذا لما أخطأت، إذاً: لا بد أن تربي ابنك.

فهذا إبراهيم عليه السلام، يقول لابنه إسماعيل عليه السلام: {يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانظُرْ مَاذَا تَرَى} [الصافات:102] ، ما رأيك في هذا الموضوع؟ يأخذ رأيه في الموضوع مع أن المسألة لا تقدم ولا تؤخر، لأنه سيذبحه، فكانت إجابة إسماعيل عليه السلام عالية جداً {قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ} [الصافات:102] ، كلمة: تؤمر، تدل على أن إبراهيم له آمر.

يعني: المسألة لم تأت من تلقاء نفسه، لأن هذا ابنه الوحيد فبعد ما بلغ معه السعي -يعني: الكسب والمشي- كان إسماعيل عليه السلام صغيراً، ومعلوم أن الولد في هذا السن يشفق عليه والده جداً، وإذا كان الأب يحب ابنه، فأحسن سن يحب فيها الأب ابنه حين يبدأ الولد يكلمه ويتعلق به.

وهذا مذكور في قصة إبراهيم عليه السلام في قوله تعالى: {فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ * وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ * قَدْ صَدَّقْتَ} [الصافات:103-105] ، لاحظ ما قال له: (صدّقت) إلا بعدما شرع في الأسباب، {أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ} ، وأحضر السكينة وبدأ يذبح.

أي: باشر العمل فيكون التصديق عملاً، وهذه فتحت ذهني إلى دليل في الرد على المرجئة، الذين يقولون: إن الإيمان قولٌ بلا عمل، وأن الإيمان هو التصديق، فنحن نقول: إن التصديق لا بد أن يكون معه عمل، لأنه قال له: {قَدْ صَدَّقْتَ} [الصافات:105] هو آمن أولاً ثم بدأ يتخذ الأسباب: (تله للجبين، وأحضر السكين، وبدأ يذبح) فهذا عمل بعد الإيمان، وتسليمه لله فيما قضى ولو كان مراً عليه هذا عمل، وقد سبقه إيمان.

إذاً: هذا هو التصديق.

فبدأت أستفيد منه، وكلما دخلت أصلي الجمعة وأسمعه يخطب، فلا أجعل سماعي له نقداً، بل للاستفادة.

لذلك الشيخ حين يسمح للتلاميذ بالمناظرة أمامه؛ يعرف من هو أقوى ومن هو أقوم، ومن الذي استطاع أن يناظر مناظرة صحيحة بأن يؤصل بحيث يأتي بالقاعدة، ثم يأتي بالفرع للقاعدة، وكثير من الناس يبدأ بالفرع، ولذلك لا يستطيعون أن يصلوا إلى القاعدة، وقديماً حين كانت جماعة التكفير في أول مدها، عندما كنا نتناظر معهم يكون أول سؤال نبدأ به في المناظرة: ما رأيك في الحكام؟ مع أن مسألة الحكام فرع، وكان الأولى أن نبدأ بالأصل: ما هو الكفر وما هو الإيمان وما هو الإسلام؟ لأن هذا هو الأصل الذي سنرد إليه الفرع، ونحن أصلاً مختلفون في الفرع، فإذا اختلفنا فإلى أي أصلٍ سنرد هذا الفرع؟ فلا بد من وضع أصلٍ ابتداءً، وإذا اختلفنا في الأصول، فكل واحد يبقى كما هو؛ لأننا لن نلتقي في فرع أبداً، إذا اختلفنا في الأصل فغير ممكن أن نلتقي في فرع.

فنحن عندما نتناظر يجب أن نعمل بالكتاب والسنة بفهم السلف الصالح، هو يقول: نعم نعمل بالكتاب والسنة، ثم لا يكون فهمه للكتاب والسنة موافقاً للسلف، يقول: كيف تلزموننا بفهم السلف الصالح، وأبو حنيفة يقول: كيف أسلم لأقوام لو كنت بينهم لناظرتهم ولعارضتهم؟! فنحن رجال، وهم رجال.

وإذا اختلفنا في هذا الضابط الثالث، فكل واحد يرجع من حيث أتى؛ لأن كثيراً من النصوص لا نفهمها إلا بفهم السلف الصالح، وتواترهم على هذا الفهم.

ولا يستقيم الظل والعود أعوج، فالعود هو الأصل، والظل فرعٌ عن هذا الأصل.

إذاً: من الأشياء الذي ينبغي أن يعتني بها الشيخ: مسألة النظر إلى التلاميذ، ولأنه قد يرى تلميذاً عنده حياء، وهذا الحياء لا يبلغه، فيقوم ويجرِّئُه في باب المناظرة، ويعرفه أن هذا النوع من الحياء ليس بمحمود، فإن الحياء الذي يجعلك لا تعرف مراد الله تبارك وتعالى ليس بمحمود.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015