وقوله عليه السلام: (إنكم لن تزالوا فى صلاة ما انتظرتموها) : تعليم منه لهم للعلم، وكذلك إعلامه لهم أن رأس مائة سنة لا يبقى ممن هو على ظهر الأرض أحد، إعلام منه لهم أن أعمار أمته ليست بطول أعمار من تقدم من الأمم السالفة، ليجتهدوا فى العمل، وقد بيَّن ذلك فى حديث آخر، فقال: (أعمار أمتى من الستين إلى السبعين وأقلهم من يجاوز ذلك) . وأما قول أنس بن مالك: (انتظرنا رسول الله (صلى الله عليه وسلم) حتى كان شطر الليل يبلغه) ، فهكذا وقع هذا الكلام فى جميع النسخ، وقد روى جابر بن عبد الله هذا الحديث بنحو هذا المساق، وكشف فيه صواب اللفظ، وذكر فيه الشغل الذى منعه من الخروج إلى الصلاة، وهو أنه اشتغل بتجهيز جيش، رواه الأعمش، عن أبى سفيان، عن جابر، قال: (جهز رسول الله ذات ليلة جيشًا، حتى قرب نصف الليل أو بلغه. . .) ، وذكر هذا الحديث، وقد ذكرته بتمامه فى باب فضل العشاء، فأبان هذا اللفظ معنى حديث أنس، وتقدير الكلام فيه: حتى كان شطر الليل، أو كاد فى أخرى يبلغه، والعرب قد تحذف (كاد) كثيرًا من كلامها لدلالة الكلام عليه، كقولهم فى: أظلمت الشمس، كادت تظلم. قال الشاعر: يتعارضون إذا التقوا فى موطن نظرًا يزيل مواطئ الأقدام فلم يقل يكاد يزيل، ولكنه نواها فى نفسه، ومنه قوله تعالى: (وبلغت القلوب الحناجر) [الأحزاب: 10] ، أى كادت من شدة الخوف تبلغ الحلوق، ذكره ابن قتيبة.