ثُمَّ قَرَأَ رَسُولُ اللَّهِ (صلى الله عليه وسلم) : (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا) [البقرة: 143] أى عَدْلا، إلى قوله: (شَهِيدًا) [البقرة: 143] . (معنى هذا الباب) الاعتصام بالجماعة، ألا ترى قوله: (لِّتَكُونُوا شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ) [البقرة: 143] ، ولا يجوز أن يكونوا شهداء غير مقبولى القول، ولما كان الرسول واجبًا اتباعه وجب اتباع قولهم؛ لأن الله جمع بينه وبينهم فى قبول قولهم وزكاهم وأحسن الثناء عليهم بقوله: (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا) [البقرة: 143] يعنى عدلاً. والاعتصام بالجماعة كالاعتصام بكتاب الله وسنة رسوله (صلى الله عليه وسلم) ؛ لقيام الدليل على توثيق الله ورسوله صحة الإجماع وتحذيرهما من مفارقته بقوله تعالى: (وَمَن يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى) [النساء: 115] الآية، وقوله: (كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ) [آل عمران: 110] الآية. وهاتان الآيتان قاطعتان على أن الأمة لا تجتمع على ضلال، وقد أخبر الرسول بذلك فهمًا من كتاب الله فقال: (لا تجتمع أمتى على ضلال) ولا يجوز أن يكون أراد جميعها من عصره إلى قيام الساعة؛ لأن ذلك لا يفيد شيئًا؛ إذ الحكم لا يعرف إلا بعد انقراض جميعها، فعلم أنه أراد أهل الحل والعقد من كل عصر.