إذا كانت الرؤيا الصحيحة من قبل الله محزنة أن تضر من رآها، فما وجه الحكمة فى كتمانها؟ . قال المهلب: فالجواب أنه إذا أخبر بالرؤيا المكروهة لم يأمن أن تفسر له بالمكروه فيستعجل الهم، ويتعذب بها ويترقب وقوع المكروه به، فيسوء حاله، ويغلب عليه اليأس من الخلاص من شرها، ويجعل ذلك نصب عينيه، وقد كان داود النبى عليه السلام من هذا البلاء الذى كان عجلة لنفسه بما أمره به من كتمانها والتعوذ بالله من شرها، وإذا لم تفسر له بالمكروه بقى بين الطمع والرجاء المجبولة عليه النفس أنها لاتجزع إما لأنها من قبل الشيطان أو أن لها تأويلا آخر على المحبوب، فأراد الرؤيا قد يبطؤ خروجها وعلى أن أكثر مايراه الإنسان مما يكرهه فهو من قبل الشيطان، ولو أخبر بذلك كله لم ينفك دهره دائما من الاهتمام بما لايؤذيه أكثره، وهذه حمة بالغة واحتياط على المؤمنين، فيجزى الله نبينا عنا خيرًا وصلى الله عليه وسلم. قال الطبرى: ووجه أمره عليه السلام بالنفث عن الشمال ثلاثًا - والله أعلم - إخساء للشيطان كما يتفل اإنسان عند الشىء القذر يراه أو يذكره، ولاشىء أقذر من الشيطان فأمره عليه السلام بالتفل عند ذكره، وأما خصوصه بذلك الشمال دون اليمين فلأن تأتى الشرور كلها عند العرب من قبل الشمال، ولذلك سمتها الشؤمى ولذلك كانوا يتشاءمون بماجاء من قبلها من طائر وحشى أخذ إلى ناحية اليمين فسمى ذلك بعضهم بارحًا وكانوا يتطيرون منه، وسماه بعضهم سانحًا،