وتلك خطة أباها المسلمون، والمعنى - والله أعلم - أنه إنما أراد بهذا إثبات خلافتهما، والإخبار عن مدة ولايتهما، والإبانة عما جرى عليه أحوال أمته فى أيامهما، فشبه أمر المسلمين بالقليب وهو البئر العادية، وذلك لما يكون فيها من الماء الذى به حياة العباد وصلاح البلاد وشبه الوالى عليهم والقائم بأمورهم بالنازع الذى يستقى الماء ويقربه من الوارد، ونزع أبى بكر ذنوبًا أو ذنوبين على ضعف فيه إنما هو قصر مدة خلافته، والذنوبان مثل ما فى السنتين اللتين وليهما واشهر بعدهما، وانقضت أيامه فى قتال أهل الردة واستصلاح أهل الدعوة ولم يتفرغ لافتتاح الأمصار وجباية الأموال، فذلك ضعف نزعه، وأما عمر فطالت أيامه واتسعت ولايته، وفتح الله على يديه العراق والسواد وأرض مصر وكثيرًا من بلاد الشام، وقد غنم أموالها وقسمتها فى المسلمين فأخصبت رحالهم وحسنت بها أحوالهم فكان جودة نزعه مثلا لما نالوا من الخير فى زمانه والله أعلم. قال المؤلف: فذكر الطبرى مثل ماحكى الخطابى عن ابن عباس أنه قال: فتأول الناس معنى قوله: (حتى ضرب الناس بعطن) أبى بكر وعمر - رضى الله عنهما. قال الخطابى: والعرب تضرب المثل فى المفاخرة والمغالبة بالمساقاة والمساجلة فتقول فلان يساجل فلانًا أى: يقاومه ويغالبه، واصل ذلك أن يستقى ساقيان فيخرج كل واحد منهما فى سجله مايخرج الآخر فأيهما نكل غلب، قال العباس بن الفضل يذكر ذلك: من يساجلنى يساجل ماجدًا
يملأ الدلو إلى عقد الكرب
.