وتطهير الأحوال التى كانت أهل الجاهلية تستبيحها، هذا قول ابن عباس، والعرب تقول: فلان نقى الثوب إذا كان صالحًا فى دينه. وفيه دليل على أن الرؤيا لاتخرج كلها على نص مارؤيت عليه، وإنما تخرج على ضرب الأمثال، فضرب المثل على الدين بالقميص، وعلى الإيمان والعلم باللبن من أجل اشتراك ذلك فى المعانى، وذلك أن القميص يستر العورات كما يستر الدين الأعمال التى كان الناس فى حال الكفر يأتونها، وفى حال الجهل يقترفونها. وقد تقدم أن اللبن حياة الأجسام كما بالعلم حياة القلوب، هذا وجه اشتباه المعانى فى هذه الأمثال التى لها ضربت؛ لأن المثل يقتضى المماثلة، فإذا كان مثل لا مماثلة فيه لم يصح التعبير به. فإن قيل: فإذا كان التعبير يقتضى المماثلة فما وجه كون جر القميص فى النوم حسنأط، وجره فى اليقظة منهى عنه وهو من الخيلاء؟ قال المهلب: فالجواب أن القميص فى الدنيا ستر وزينة كما سماه الله، وأنه فى الآخرة لباس لاتقوى. فلما كان فى الدنيا زينة حرم منها ماكان مخرجًا إلى الخيلاء والكبرياء الذى لايجمل بمخلوق مربوب ضعيف الخلقة سفيه الشهوة. فالكبر مع هذه الحال لا يجمل به ولا يصح له لا ضراره إلى مدبر يديره ورازق يرزقه، ودافع يدفع عنه ما لا امتناع له منه، ويحميه من الآفات، فوجب أن تكون تلك الزينة فى الدنيا مقرونة بدليل الذلة وعلامة العبودية، هذا معنى وجوب تقصيرها فى الدنيا. ولما خلصت فى الآخرة من أن يقترن بها كبر أو يخطر منه خارط على قلب بشر، حصلت لباس التقوى كما سماها الله فحسن فيها

طور بواسطة نورين ميديا © 2015