إذ كان معلومًا وجوده وكرمه عليه السلام وإيثاره ضيفانه القادمين عنده من الأقوات والأموال على نفسه. واحتماله المشقة والمجاع فى ذات الله، ومن كان كذلك هو واصحابه فغير مستنكر لهم حال ضيق يحتاجون معها إلى الاستسلاف وإلى طى الأيام على المجاعة والشدة وأكلهم ورق الحبلة. فأما ما روى عنه: (أنه لم يشبع من البر ثلاثة أيام تباعًا حتى قبض) فإن البر كان بالمدينة قليلاً، وكان الغالب عليهم الشعير والتمر فغير نكير أن يؤثر قوت أهل بلده ويكره أن يخص نفسه لما لاسبيل للمسلمين إليه من الغذاء، وهذا هو الأشبه بأخلاقه عليه السلام. وما روى عنه أنه خرج من الدنيا ولم يشبع من خبز الشعير، فإن ذلك لم يكن منه فى كل أحواله لعوز ولا ضيق وكيف ذلك وقد كان الله أفاء عليه قبل وفاته بلاد العرب كلها ونقل إليه الخراج من بعض بلاد العجم كأيله والبحرين وهجر؛ ولكن كان بعضه لما وصفت من إيثار نوائب حقوق الله، وبعضه كراهية منه الشبع وكثرة الأكل، فإنه كان يكرهه ويؤدب أصحابه به. وروى عن زيد وهب، عن عطية بن عامر الجهنى قال: (أكره سلمان على طعام يأكله فقال: حسبى؛ فإنى سمعت النبى عليه السلام يقول: إن أكثر الناس شبعًا فى الدنيا أطولهم جوعًا