تفكر فى خلق الله له وفيما يصير إليه من الموت ومابعده، فيمنعه الخوف والإشفاق من تلك الأهوال من استيفاء شهواته، وقد روى هذا المعنى عن النبى عليه السلام من حديث أبى أمامة قال أبو أمامة: سمعت النبى عليه السلام يقول: (عليكم بقله الأكل تعرفون فى الآخرة، فمن كثر تفكره قل طعمه وكل لسانه ومن قل تفكره كثر طعمه وعظم ذنبه وقسا قلبه، والقلب القاسى بعيد من الله) . فأخبر عليه السلام أن من تفكر فيما ينبغى له التفكر فيه من قرب أجله ومايصير إليه فى معاده قلّ طمعه وكل لسانه وحق ذلك. قوله عليه السلام: (المؤمن يأكل فى معاء واحد) الحض على التقلل من الدنيا والزهد فيها والقناعةبالبلغة، ألا ترى قوله عليه السلام: (إن هذا المال خضرة حلوة، فمن أخذخ بسخاوة نفس بورك له فيه، ومن أخذخ بإشراف نفس كان كالذى يأكل ولا يشبع) . فدل هذا المعنى أن المؤمن الذى وصفه النبى عليه السلام أنه يأكل معاء واحد هو التام الإيمان المقتصد فى مطعمه وملبسه الذى قبل وصية نبيه فأخذ المال بسخاوة نفس فبورك له فيه واستراح من داء الحرص. فإن قال قائل: فإن كان معنى الحديث ماذكرت، فما أنت قائل فيما روى عن عمر بن الخطاب أنه كان يأكل صاع تمر حتى تتبع حشفه، ولا أتم من إيمانه. قيل له: من علم بسيرة عمر وتقلله فى مطعمه وملبسه لم يعترض بهذا ولم يتوهم أن قوت عمر كل يوم كان صاع تمر؛ لأنه كان من التقلل فى مطعمه وملبسه فى ابعد الغايات، وكان أشد الناس اقتداء برسول الله فى سيرته، وإنما كان يأكل عمر