ويطيب سماعه، قالوا وتشبيهه بالسحر مدح له؛ لأن معنى السحر الاستمالة، وكل من استمالك فقد سحرك، وكان رسول الله عليه السلام أميز الناس بفضل البلاغة لبلاغته فأعجبه ذلك القول واستحسنه ولذلك شبهه بالسحر، قالوا: وقد تكلم رجل فى حاجة عند عمر ابن عبد العزيز وكان فى قضائها مشقة بكلام رقيق موجز وتأنى لها وتلطف، فقال عمر بن العزيز: هذا السحر الحلال. وكان زيد ابن إياس يقول للشعبى: يا مبطل الحاجات، يعنى أنه يشغل جلساءه بحسن حديثه عن حاجاتهم. وأحسن مايقال فى ذلك أن هذا الحديث ليس بذم للبيان كله ولا بمدح للبيان كله ألا ترى قوله عليه السلام: (إن من البيان لسحرًا) و (من) للتبعيض عند العرب، وقد شك المحدث إن كان قال: إن من البيان أو أن من بعض البيان، وكيف يذم البيان كله، وقد عدد الله به النعمة على عباده فقال: (خلق الإنسان علمه البيان) ولايجوز أن يعدد على عباده إلا مافيه عظيم النعمة عليهم وماينبغى إدامة شكره عليه؟ فإذا ثبت الاحتجاج للشىء الواحد مرة بالفضل ومرة بالنقص وتزيينه مرة وعيبه أخرى؛ ثبت أن ما جاء من البيان مزينًا للحق ومبينًا له فهو ممدوح وهو الذى قال فيه عمر بن عبد العزيز: هذا السحر الحلال. ومعنى ذلك أنه يعمل فى استمالة النفوس مايعمل السحر من استهوائها، فهو سحر على معنى التشبيه لا أنه السحر الذذى هو الباطل الحرام، والله أعلم.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015