واختلف قول أبى حنيفة وأبى يوسف؛ فمرة قالا: يستتاب، ومرة قالا: لا يستتاب. وقال الشافعى: يستتاب الزنديق كما يستتاب المرتد. وهو قول عبيد الله بن الحسن. وذكر ابن المنذر، عن على بن أبى طالب مثله. وقيل لمالك: لم يقتل الزنديق ورسول الله (صلى الله عليه وسلم) لم يقتل المنافقين وقد عرفهم؟ فقال: لأن توبته لا تعرف، وأيضًا فإن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) لو قتلهم وهم يظهرون الإيمان لكان قتلهم بعلمه، ولو قتلهم بعلمه؛ لكان ذريعة إلى أن يقول الناس قتلهم للضغائن والعداوة، ولامتنع من أراد الإسلام من الدخول فيه إذا رأى النبى (صلى الله عليه وسلم) يقتل من دخل فى الإسلام؛ لأن الناس كانوا حديث عهد بالكفر. هذا معنى قوله، وقد روى عن النبى (صلى الله عليه وسلم) أنه قال: (لئلا يقول الناس أنه يقتل أصحابه) . واحتج الشافعى بقوله تعالى فى المنافقين: (واتخذوا أيمانهم جنة) [المجادلة: 16، المنافقون: 2] قال: وهذا يدل على أن إظهار الإيمان جنة من القتل وقد جعل رسول الله (صلى الله عليه وسلم) الشهادة بالأيمان تعصم الدم والمال، فدل أن من أهل القبلة من يشهد بها غير مخلص، وأنها تحقن دمه وحسابه على الله. وقد أجمعوا أن أحكام الدين على الظاهر، وإلى الله السرائر، وقد قال (صلى الله عليه وسلم) لخالد بن الوليد حين قتل الذى استعاذ بالشهادة: (هلا شققت عن قلبه) فدل أنه ليس له إلا ظاهره. قال: وأما قولهم أنه (صلى الله عليه وسلم) لم يقتل المنافقين لئلا يقولوا أنه قتلهم بعلمه وأنه يقتل أصحابه، قيل: وكذلك لم يقتلهم بالشهادة عليهم كما لم يقتلهم بعلمه، فدل أن ظاهر الإيمان جنة من القتل.