فجاوبهم أهل المقالة الأولى بأن ظاهر هذا الحديث يدل أن المحارب غير داخل فيه؛ لأن قاتل النفس فى غير المحاربة إنما أمره فى القتل أو الترك إلى ولى المقتول، وأمر المحارب إلى السلطان؛ لأن فساده فى الأرض لا يلتفت فيه إلى عفو المقتول فعلمنا بهذا أن المحارب لا يدخل فى هذا الحديث وإنما يدخل فيه القاتل الذى الأمر فيه إلى ولى المقتول إذا قتل فيه أو قتل نفسًا فكأنه على مجرى القصاص، ولو كان على العموم لوجب أن يقتل كل قاتل قتل مسلمًا عمدًا. وقد رأينا مسلمًا قتل مسلمًا عمدًا لم يجب عليه القتل فى قول جماعة المسلمين، وذلك أنهم أجمعوا فى قتلى الجمل وصِفين أنه لا قصاص بينهم إذ كان القاتل المسلم إنما قتل المسلم المقتول عمدًا على التأويل فى الدين لم يقتله لثائرة بينه وبينه ولا قصد له فى نفسه وإنما قصد فى قتله الديانة عنده فسقط عنه القود لذلك فكذلك أمر المحارب إنما كان على قصد قتل المسلم لقطع الطريق وأخذ الأموال والفساد فى الأرض، فكان الأمر فيه إلى السلطان لا إلى ولى المقتول، فكما خرج قتلى صِفين والجمل من معنى هذا الحديث كذلك خرج المحارب من معناه. ويشهد لما قلناه ما رواه الأعمش عن عبد الله بن مرة قال: قال مسروق: قال عبد الله: قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم) : (لا يحل دم رجل مسلم إلا بإحدى ثلاث. فعدَّ النفس بالنفس، والثيب الزانى، والتارك لدينه المفارق الجماعة) . قال إسماعيل: وقوله: (المفارق الجماعة) يدل على الفساد فى الأرض نحو الخوارج والمحاربين، فإذا كان الخوارج يحل قتلهم

طور بواسطة نورين ميديا © 2015