لا شفعة له عليه؛ لأنه لو ملك ذلك الجزء اللطيف غيره لمنع الجار به من الشفعة. فكذلك يمنعه هو إذا اشترى باقى الدار من الشفعة، وهذا ليس فيه شىء من خلاف السنة. وإنما أراد البخارى أن يلزم أبا حنيفة التناقض لأنه يوجب الشفعة للجار ويأخذ فى ذلك لقوله (صلى الله عليه وسلم) : (الجار أحق بصقبه) . فمن اعتقد مثل هذا وثب ذلك عنده من قضاء رسول الله (صلى الله عليه وسلم) وتحيل بمثل هذه الحيلة فى إبطال شفعة الجار فقد أبطل السنة التى يعتقدها. قال المهلب: وفى حديث ابن عباس: (إذا وقعت الحدود فلا شفعة) ما يرد قول من أجاز الشفعة للجار؛ لأن الجار قد حدد ماله من مال جاره ولا اشتراك له معه، وهذا ضد قول من قال بالشفعة للجار، وقوله: (الشفعة فيما لم يقسم) ينفى الشفعة فى كل مقسوم. وحديث عمرو بن الشريد حجة فى أن الجار المذكور فى الحديث هو الشريك وعلى ذلك حمله أبو رافع وهو أعلم بمخرج الحديث، وقد تقدم ذلك فى كتاب الشفعة، وقول أبى حنيفة: إذا أراد أن يقطع الشفعة فيهب البائع للمشترى الدار إلى آخر المسألة فهذه حيلة فى إبطال السنة لا يجيزها أحد من أهل العلم، وهى منتقضة على أصل أبى حنيفة؛ لأن الهبة إن انعقدت للثواب فهى بيع من البيوع عند الكوفيين ومالك وغيره ففيها الشفعة، وإن كانت هبة مقبولة بغير شرط ثواب فلا شفعة فيها بإجماع، وما انعقد عقدًا ظاهرًا سالمًا فى باطنه والقصد منه فساد فهذا لايحل عند أحد من العلماء. قال المهلب: وإنما ذكر البخارى فى هذه المسألة حديث أبى رافع ليعرفك أن ما جعله النبى (صلى الله عليه وسلم) حقا للشفيع بقوله (صلى الله عليه وسلم) : (الجار لأحق بصقبه) فلا يحل إبطاله ولا إدخال حيلة عليه.