وقد أجمعوا على أنه له أن يعدل ويسقط العدول بعلمه إذا علم أن ماشهدوا به على غير ما شهدوا به، وينفذ علمه فى ذلك ولا يقضى بشهادتهم، مثال ذلك أن يعلم بنتًا لرجل ولدت على فراشه، فإن أقام شاهدين أنها مملوكته فلا يجوز أن يقبل شهادتهما ويبيح له فرجًا حرامًا، وكذلك لو رأى رجلا قتل رجلا، ثم جئ بغير القاتل وشهد شاهدان أنه القاتل فلا يجوز أن يقبل الشهادة، وكذلك لو سمع رجلا طلق امرأته طلاقًا بائنًا، ثم ادعت عليه المرأة الطلاق وأنكر ذلك الزوج، فإن جعل القول قوله فقد أقامه على فرج حرام فيفسق به، ولم يكن له بد من أن لا يقبل قوله فيحكم بعلمه. واحتج أصحاب أبى حنيفة بأن ما علمه الحاكم قبل القضاء فإنما حصل فى حال الابتداء على طريق الشهادة فلم يجز أن نجعله حاكمًا؛ لأنه لو حكم له لكان قد حكم بشهادة نفسه فكان متهمًا، وصار بمنزلة من قضى بدعواه على غيره، وأيضًا فإن علمه لما تعلق به الحكم على وجه الشهادة فإذا قضى به صار كالقاضى بشاهد واحد. قالوا: والدليل على جواز حكمه بما علمه فى حال القضاء وفى مجلسه قوله (صلى الله عليه وسلم) : (إنما أقضى على نحو ما أسمع) ولم يفرق بين سماعه من الشهود أو المدعى عليه فيجب أن يحكم بما سمعه من المدعى عليه كما يحكم بما سمعه من الشهود. واحتج أصحاب مالك فقالوا: الحاكم غير معصوم، ويجوز أن تلحقه الظنة فى أن يحكم لوليه على عدوه، فحسمت المادة فى ذلك بأن لا يحكم بعلمه؛ لأنه ينفرد به ولا يشركه غيره فيه. وأيضًا فإن النبى (صلى الله عليه وسلم) قال فى حديث اللعان: (إن جاءت به على نعت كذا فهو