قال المهلب: وقول عمر: (فعملت لذلك أعمالا) يعنى أنه كان يحض الناس على ألا يعطوا الدنية فى دينهم بإجابة سهيل إلى رد أبى جندل إليهم، يدل على ذلك إتيانه أبا بكر وقوله له مثل ذلك. وفيه: فضل علم أبى بكر الصديق وجودة ذهنه، وحسن قريحته، وقوة نفسه؛ لأنه أجاب عمر بمثل ما أجابه به النبى (صلى الله عليه وسلم) حرفًا حرفًا. وأما توقف أصحاب النبى (صلى الله عليه وسلم) عن النحر والحلق فلمخالفتهم العادة التى كانوا عليها ألا ينحر أحد حتى يبلغ الهدى محله، ولا يحلق إلا بعد الطواف والسعى، حتى شاور النبى (صلى الله عليه وسلم) أم سلمة فأراه الله بركة المشورة، ففعل ما قالت، فاقتدى به أصحابه، وكذلك لو فعل رسول الله (صلى الله عليه وسلم) فى حجة الوداع ما أمر به أصحابه من الحلاق والحل ما اختلف عليه اثنان، ففى هذه من الفقه أن الفعل أقوى من القول. وفيه: جواز مشاورة النساء ذوات الفضل والرأى. وأما إسلام النبى (صلى الله عليه وسلم) لأبى بصير وأصحابه إلى رسل مكة فهو على ما انعقد فى الرجال، وأما قتل أبى بصير لأحد الرسل بعد أن أسلمه إليهم النبى (صلى الله عليه وسلم) فليس على النبى (صلى الله عليه وسلم) حراسة المشركين ممن يدفعه إليهم، ولا عليه القود ممن قتل فى الله وجاهد؛ لأن هذا لم يكن من شرطه، ولا طالب أولياء القتيل النبى (صلى الله عليه وسلم) بالقود من أبى بصير. وقول أبى بصير للنبى: (قد أوفى الله ذمتك) يعنى: أنك قد رددتنى إليهم كما شرطت لهم، فلا تردنى الثانية، فلم يرض النبى (صلى الله عليه وسلم) إلا بما لا شك فيه من الوفاء، فسكت عنه النبى (صلى الله عليه وسلم) ونبهه على ما ينجو به من كفار قريش بتعريض عرض له به وذلك قوله: