قال الطحاوى: واحتج أهل المقالة الأولى بحديث طاوس، عن ابن عباس، وابن عمر، أن النبى، عَلَيْهِ السَّلام، قال: (لا يحل لواهب أن يرجع فى هبته إلا الوالد لولده) ، ولا دليل لهم فيه على تحريم الرجوع فى الهبة، فقد يجوز أن يكون النبى، عَلَيْهِ السَّلام، وصف ذلك الرجوع بأنه لا يحل؛ لتغليظه إياه لكراهته أن يكون أحد من أمته له مثل السوء. وقد قال عَلَيْهِ السَّلام: (لا تحل الصدقة على ذى مرة سوى) ، فلم يكن ذلك على معنى أنها تحرم عليه كما تحرم على الغنى، ولكنها لا تحل له من حيث تحل لغيره من ذوى الحاجة والزمانة، فكذلك قوله: (لا يحل للواهب أن يرجع فى هبته) ، إنما هو على أنه لا يحل له ذلك، كما تحل له الأشياء التى قد أحلها الله له. وقال الطبرى: قوله عَلَيْهِ السَّلام: (العائد فى هبته) ، معناه الخصوص، وذلك لو أن قائلاً قال: العائد فى هبته كالكلب يعود فى قيئه، إلا أن يكون والدًا للموهوب له، أو تكون هبته لثواب يلتمسه، فإنه ليس له مثل السوء، لم يكن مختلاً فى كلامه، ولا مخطئًا فى منطقه. فإن قيل: فبين لنا من يجوز له الرجوع فى هبته ومن لا يجوز، ومن المعنى بالذم فى ذلك. قيل: من وهب طلب ثواب إما باشتراط ذلك أو بغير اشتراط بعد أن يكون الأغلب من أمر الواهب والموهوب له أن مثله يهب مثله طلب الثواب منه، فله الرجوع.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015