قال المؤلف: فقه هذا الباب كالذى قبله، أن كمال الإيمان بإقامة الفرائض والسنن والرغائب، وأن الإيمان قول وعمل بخلاف قول المرجئة. ومعنى قوله تعالى: (لَّيْسَ الْبِرَّ) [البقرة: 177] أى: ليس غاية البرِّ أن تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب، ولكن غاية البرِّ وكماله بِرُّ من آمن بالله واليوم الآخر وأقام الصلاة، وآتى الزكاة، إلى سائر ما ذكره تعالى فى الآية، فحذف الصفة وأقام الموصوف مقامه، ومثله قوله تعالى: (مَّا خَلْقُكُمْ وَلاَ بَعْثُكُمْ إِلاَّ كَنَفْسٍ وَاحِدَةٍ) [لقمان: 28] . قال سيبويه: أراد كخلق نفس واحدة وبعثها. وبالمبالغة فى أفعال البر مدح الله المؤمنين فى قوله: (قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ هُمْ (إلى قوله: (الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ) [المؤمنون: 1 - 11] . وهذا المعنى مُطابق لقوله (صلى الله عليه وسلم) : تمت الإيمان بضعٌ وسبعون شعبة -، فجعله أشياء كثيرة، ثم قال: تمت الحياء شعبةٌ من الإيمان -، فدل الكتاب والسُّنَّة على خلاف قول المرجئة. قال أبو الزناد: وقوله: تمت الحياء شعبة من الإيمان - يريد، والله أعلم، أن الحياء يبعث على طاعة الله ويمنع من ارتكاب المعاصى، كما يمنع الإيمان، وإن كان الحياء غريزة فالإيمان فعل المؤمن، فاشتبها من هذه الجهة. فإن قال قائل من المرجئة: كيف يجوز أن تسمى أفعال البرِّ كلها إيمانًا، وقد تقدم من قولكم أن الإيمان هو التصديق؟ .