كَفَّيْهِ بِالأُخْرَى، فَحَلَبَ كُثْبَةً مِنْ لَبَنٍ، وَقَدْ جَعَلْتُ لِرَسُولِ اللَّهِ (صلى الله عليه وسلم) إِدَاوَةً عَلَى فَمِهَا خِرْقَةٌ، فَصَبَبْتُ عَلَى اللَّبَنِ حَتَّى بَرَدَ أَسْفَلُهُ، فَانْتَهَيْتُ إِلَى النَّبِىِّ (صلى الله عليه وسلم) فَقُلْتُ: اشْرَبْ يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَشَرِبَ حَتَّى رَضِيتُ. قال المؤلف: سألت بعض شيوخى عن وجه استجازة أبى بكر الصديق لشرب اللبن من ذلك الراعى، فقال لى: يحتمل أن يكون النبى - عليه السلام - قد كان أذن له فى الحرب، وكانت أموال المشركين له حلالا فعرضته على المهلب بن أبى صفرة فقال لى: ليس هذا بشىء، لأن الحرب والجهاد إنما فرض بالمدينة، وكذلك المغانم إنما نزل تحليلها يوم بدر بنص القرآن. قال: وإنما شرب رسول الله وأبو بكر ذلك اللبن بالمعنى المتعارف عندهم فى ذلك الزمن من المكارمات، وبما استفهم به أبو بكر الراعى من أنه حالب أو غير حالب، ولو كان بمعنى الغنيمة ما استفهمه، ولحلب ما أراد الراعى أو كره، ولساق الغنم غنيمة، ولقتل الراعى إن شاء أو أخذه أسيرًا. والدليل على صحة هذا التأويل وأن شرب اللبن كان على وجه العادة عندهم ما ذكره أبو على البغدادى، قال: حدثنا أبو بكر بن دريد قال أبو عثمان السامدانى: عن الثورى، عن أبى عبيدة قال: مر رجل من أهل الشام بامرأة من كلب فقال لها: هل من لبن يباع؟ فقالت: إنك للئيم أو حديث عهد بقوم لئام، هل يبيع الرسل كريم أو يمنعه إلا لئيم؟ إنا لندع الكوم لأضيافنا تكوس إذا عكف الزمن الضروس ونغلى اللحم غريضًا ونهبته نضيجًا.