وفيها قول ثالث: قال جرير بن عبد الله الحميدى قوله: (إلا لمنشد) ، يعنى: إلا من سمع ناشدًا يقول: من أصاب كذا، فحينئذ يجوز للملتقط أن يرفعها إذا رآها، لكى يردها على صاحبها، ومال إسحاق بن راهويه إلى هذا القول، وقاله النضر بن شميل. وفيها قول رابع: يعنى: لا تحل لربها الذى يطلبها. قال أبو عبيد هو جيد فى المعنى ولكن لا يجوز فى العربية أن يقال للطالب: منشدًا إنما المنشد المعرف، والطالب هو الناشد، يدل على ذلك أن الرسول سمع رجلا ينشد ضالة فى المسجد فقال: (أيها الناشد غيرك الواجد) ، قال أبو عبيد: وليس للحديث وجه إلا ما قاله ابن مهدى. قال المؤلف: ولو كان حكم لقطة مكة حكم غيرها؛ ما كان لقوله: (لا تحل لقطتها إلا لمنشد) ، معنى تختص به مكة كما تختص بسائر ما وكد فى هذا الحديث؛ لأن لقطة غيرها كذلك يحل لمنشدها بعد الحول الانتفاع بها، فدل مساق هذا الحديث كله على تخصيص مكة ومخالفة لقطتها لغيرها من البلدان، كما خالفتها فى كل ما ذكر فى الحديث من أنها حرام لا تحل لأحد ساعة من نهار بعد النبى - عليه السلام - وأنه لا ينفر صيدها، ولا يختلى خلاها وغير ذلك مما خصت به من أنه لم يستبح دماءهم ولا أموالهم، ولا جرى فيهم الرق كغيرهم. ومن الحجة أيضًا لذلك أن الملتقط إنما يتملك اللقطة فى غير مكة بعد الحول، حفظًا لها على ربها وحرزًا لها؛ لأنه لا يقدر على إيصالها