إلا أن الفقهاء اختلفوا فى مقدار ما يتجاوز عنه من الدم، فاعتبر الكوفيون فيه وفى سائر النجاسات: دون الدرهم فى الفرق بين قليله وكثيره، قياسًا على دور المخرج فى الاستنجاء بالحجارة. وقال مالك: قليل الدم معفو عنه، ويغسل قليل سائر النجاسات. وروى عنه ابن وهب أن قليل دم الحيض يُغسل ككثيره، كسائر الأنجاس، بخلاف سائر الدماء. وقال أشهب: لم يحد مالك فى الدم قدر الدرهم. وقال على بن زياد عنه: إن قدر الدرهم ليس بواجب أن تعاد منه الصلاة، ولكن الكثير الفاشى. وعند الشافعى: أن يسير الدم يغسل كسائر النجاسات إلا دم البراغيث، فإنه لا يمكن التحرز منه. والحجة لقول مالك: أن يسير دم الحيض ككثيره قوله (صلى الله عليه وسلم) لأسماء فى دم الحيض: تمت حتيه ثم اقرصيه بالماء -، ولم يفرق بين قليله وكثيره، ولا سألها عن مقداره، وقوله لفاطمة بنت أبى حُبيش: تمت فاغسلى عنك الدم وصلِّى -، ولم يحدّ فيه مقدار درهم من غيره. ووجه الرواية الأخرى: أن قليل الدم معفو عنه هو أن يسير الدم موضع ضرورة، لأن الإنسان لا يخلو فى غالب حاله من بثرة، أو دمل، أو برغوث، أو ذباب، فعفى عن القليل منه، ولهذا حرم الله تعالى المسفوح منه، فدل أن غيره ليس بمحرم، ولم يستثن فى سائر النجاسات غير الدم أن تكون مسفوحة.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015