وفيه قول ثالث: أن البول إذا كان فى مكان لا يتطاير عليه منه شىء فلا بأس به، وإن كان فى مكان يتطاير عليه، فهو مكروه. هذا قول مالك، وهو دليل الحديث، لأنه (صلى الله عليه وسلم) أتى سباطة قوم فبال قائمًا. والسباطة: المزبلة، والبول فيها لا يكاد يتطاير منه كبير شىء، فلذلك بال قائمًا (صلى الله عليه وسلم) . ومن كره البول قائمًا، فإنما كرهه خشية ما يتطاير إليه من بوله، ومن أجازه قائمًا، فإنما أجازه خوف ما يُحدثه البائل جالسًا فى الأغلب من الصوت الخارج عنه إذا لم يمكنه التباعد عمن يسمعه. وقد جاء عن عمر بن الخطاب أنه قال: البول قائمًا أحصن للمدبر. وكان رسول الله (صلى الله عليه وسلم) إذا بال قائمًا لم يبعد عن الناس، ولا أبعدهم عن نفسه، بل أمر حذيفة بالقرب منه إذ بال قائمًا. وروى عنه (صلى الله عليه وسلم) من مرسل عطاء، وعبيد بن عمير، أنه بال جالسًا، فدنا منه رجل، فقال: تمت تنح، فإن كل بائلة تُفِيخُ -. ويُروَى: تمت تفيس -. وقال إسحاق بن راهويه: لا ينبغى لأحد يتقرب من الرجل يتغوط أو يبول جالسًا لقول النبى، (صلى الله عليه وسلم) : تمت تنح، فإن كل بائلة تُفيخُ -.